للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ سَقَطَ بِمَوْتِهِ، وَيُرَدُّ عَلَى أَنْصِبَاءِ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُرَدُّ عَلَى الْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَلُّوهَا بِقِتَالِهِمْ، وَخَرَجَتْ مِنْهَا سِهَامٌ مِنْهَا سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَنْ وُجِدَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ إذَا خَرَجَ مِنْهَا سَهْمٌ بِوَصِيَّةٍ، ثُمَّ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، رُدَّ إلَى التَّرِكَةِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَطْعَمَ اللَّهُ نَبِيًّا طُعْمَةً، ثُمَّ قَبَضَهُ فَهِيَ لِلَّذِي يَقُومُ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ» وَقَدْ رَأَيْت أَنَّ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاقٍ، وَأَنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّ الْإِمَامَ يَقُومُ مَقَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَرْفِهِ فِيمَا يَرَى، فَإِنَّ، أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُهُ فِيهِ إلَّا صَنَعْته. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفُوا فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ - يَعْنِي سَهْمَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى - فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوهُمَا فِي الْخَيْلِ وَالْعُدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَانَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْخَيْلِ وَالْعُدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

[فَصْلٌ كَانَ لِرَسُولِ اللَّه مِنْ الْمَغْنَمِ الصَّفَّيْ]

(٥٠٨١) فَصْلٌ: وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَغْنَمِ الصَّفِيُّ، وَهُوَ شَيْءٌ يَخْتَارُهُ مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، كَالْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: إنَّ ذَلِكَ انْقَطَعَ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَحْمَدُ: الصَّفِيُّ إنَّمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ. وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لِهَذَا إلَّا أَبَا ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الصَّفِيُّ ثَابِتًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ سَهْمِ النَّبِيِّ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ.

فَجَمَعَ بَيْنَ الشَّكِّ فِيهِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ فِي إبْقَائِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَ أَبَا ثَوْرٍ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ كَوْنَ الصَّفِيِّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ وَبَرَةً مِنْ ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ: «مَا يَحِلُّ لَيّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ، إلَّا الْخُمُسَ» ، وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] . فَمَفْهُومُهُ أَنَّ بَاقِيَهَا لِلْغَانِمِينَ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أَقْيَشَ: إنَّكُمْ إنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَدَّيْتُمْ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمْ الْخُمُسَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>