للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبَى ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقْبِضَ، فَقَالَ لِابْنِ سِيرِينَ: مَا لَكَ لَا تَقْبِضُ؟ قَالَ: حَتَّى يَعُمَّ النَّاسَ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَاَللَّهِ لَوْ عَرَضَ لَكَ وَلِي لِصٌّ، فَأَخَذَ رِدَائِي وَرِدَاءَك، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ رِدَائِي، كُنْت أَقُولُ: لَا أَقْبَلُ رِدَائِي حَتَّى تَرُدَّ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ رِدَاءَهُ؟ كُنْت أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ أَفْقَهَ مِمَّا أَنْتَ يَا ابْنَ سِيرِينَ.

وَلِأَنَّ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ لَهَا وَجْهٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْلِيلِ، فَإِنَّ لَهُ جِهَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهِمَا.

(٥١٣٣) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: جَوَائِزُ السُّلْطَانِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّدَقَةِ. يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، صِينَ عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلُهُ، لِدَنَاءَتِهَا، وَلَمْ يُصَانُوا عَنْ جَوَائِزِ السُّلْطَانِ. وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ عَامَلَ السُّلْطَانَ فَرَبِحَ أَلْفًا، وَآخَرَ أَجَازَهُ السُّلْطَانُ بِأَلْفٍ، أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: الْجَائِزَةُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي يَرْبَحُ عَلَيْهِ أَلْفًا، لَا يَرْبَحُهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا بِنَوْعٍ مِنْ التَّدْلِيسِ وَالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَالْجَائِزَةُ عَطَاءٌ مِنْ الْإِمَامِ بِرِضَاهُ، لَا تَدْلِيسَ فِيهَا وَلَا غَبْنَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ رَجُلٌ. يَعْنِي فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَخْذِهِ مِنْهُ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَسَائِطَ كُلَّمَا كَثُرَتْ، قَرُبَتْ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْبُعْدِ تَتَبَدَّلُ، وَتَحْصُلُ فِيهَا أَسْبَابٌ مُبِيحَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>