للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَاب النِّكَاح]

ِ النِّكَاحُ فِي الشَّرْعِ: هُوَ عَقْدُ التَّزْوِيجِ، فَعِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِهِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، مَا لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهُ دَلِيلٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْأَشْبَهُ بِأَصْلِنَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا؛ لِقَوْلِنَا بِتَحْرِيمِ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ، لِدُخُولِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] . وَقِيلَ: بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنْكَحْنَا الْفَرَا، فَسَنَرَى. أَيْ أَضْرَبْنَا فَحْلَ حُمُرِ الْوَحْشِ أُمَّهُ، فَسَنَرَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا.

يُضْرَبُ مَثَلًا لِلْأَمْرِ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْنَا رِمَاحُنَا ... وَأُخْرَى عَلَى خَالٍ وَعَمٍّ تَلَهَّفُ

وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ النِّكَاحِ بِإِزَاءِ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِسَانِ أَهْلِ الْعُرْفِ. وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ فِي الْكِتَابِ لَفْظُ نِكَاحٍ بِمَعْنَى الْوَطْءِ، إلَّا قَوْلُهُ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] . وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْ الْوَطْءِ، فَيُقَال: هَذَا سِفَاحٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ. وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ، لَا مِنْ سِفَاحٍ» . وَيُقَالُ

عَنْ السُّرِّيَّةِ: لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَلَا مَنْكُوحَةٍ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِمَا عَقْدُ النِّكَاحِ، فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِ، كَاللَّفْظِ الْآخَرِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي يُفْضِي إلَى كَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْآخَرُونَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالِاسْتِعْمَالُ فِيمَا قُلْنَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لَكَانَ اسْمًا عُرْفِيًّا، يَجِبُ صَرْفُ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ؛ لِشُهْرَتِهِ، كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ.

(٥١٣٤) فَصْلٌ: وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] .

الْآيَةَ. وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢] . وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>