للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَطَبَهَا رَجُلٌ، فَأَنْكَحَهَا رَجُلٌ وَهُوَ غَيْرُ وَلِيٍّ بِصَدَاقٍ وَشُهُودٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُفِعَ إلَيْهِ أَمْرُهُمَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَجَلَدَ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي إبَاحَتِهِ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْحَدُّ، كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ أَقْوَى الشُّبُهَاتِ، وَتَسْمِيَتُهَا زَانِيَةً يَجُوزُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَمَّاهَا بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَعُمَرُ جَلَدَهُمَا أَدَبًا وَتَعْزِيرًا، وَلِذَلِكَ جَلَدَ الْمُنْكِحَ وَلَمْ يَجْلِدْ الْمَرْأَةَ، وَجَلَدَهُمَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مَعَ اعْتِقَادِهِمَا حِلَّهُ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ فِيهِ، فَإِنَّ عَلِيًّا أَشَدُّ النَّاسِ فِيهِ، وَقَدْ انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْجَلْدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ النَّاسِ وَالصَّحَابَةِ لَمْ يَرَوْا فِيهِ جَلْدًا

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَوْجَبْتُمْ الْحَدَّ عَلَى شَارِبِ النَّبِيذِ، مَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ؟ قُلْنَا: هُوَ مُفَارِقٌ لِمَسْأَلَتِنَا، بِدَلِيلِ أَنَّا نَحُدُّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ، وَلِأَنَّ يَسِيرَ النَّبِيذِ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ، الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُغْنِي عَنْ الزِّنَى الْمَجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَافْتَرَقَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إثْمٌ وَلَا أَدَبٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَمَنْ اعْتَقَدَ حُرْمَتَهُ أَثِمَ وَأُدِّبَ. وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْهُ، لَحِقَهُ نَسَبُهُ فِي الْحَالَيْنِ.

(٥١٤٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْأَنْكِحَةُ الْبَاطِلَةُ، كَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمُعْتَدَّةِ، أَوْ شِبْهِهِ، فَإِذَا عَلِمَا الْحِلَّ وَالتَّحْرِيمَ، فَهُمَا زَانِيَانِ، وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ، وَلَا يَلْحَقُ النَّسَبُ فِيهِ.

[فَصْلٌ يُسَاوِي الْفَاسِدُ مِنْ النِّكَاح الصَّحِيحَ فِي اللَّعَّان]

(٥١٥٠) فَصْلٌ: وَيُسَاوِي الْفَاسِدُ الصَّحِيحَ فِي اللِّعَانِ، إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ عَنْهُ، لِكَوْنِ النَّسَبِ لَاحِقًا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْمَوْتِ فِيهِ، وَالْإِحْدَادُ، وَكُلُّ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لَهَا. وَيُفَارِقُ الصَّحِيحَ فِي أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ التَّوَارُثَ، وَلَا تَحْصُلُ بِهِ الْإِبَاحَةُ لِلْمُتَزَوِّجِ، وَلَا الْحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُطَلَّقِ ثَلَاثًا بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِالْيَمِينِ فِيهِ، وَلَا يَحْرُمُ الطَّلَاقُ فِيهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ.

[مَسْأَلَةٌ أَحَقُّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَبُوهَا]

(٥١٥١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَأَحَقُّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَبُوهَا) . إنَّمَا قَيَّدَ الْمَرْأَةَ بِالْحُرَّةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا وِلَايَةَ لِأَبِيهَا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا وَلِيُّهَا سَيِّدُهَا. بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ، فَأَوْلَى النَّاسِ بِتَزْوِيجِهَا أَبُوهَا، وَلَا وِلَايَةَ لَأَحَدٍ مَعَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>