للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهَا بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ زُوِّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْئِهَا، كَانَ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ، فَلَأَنْ تُمْنَعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً أَوْلَى.

[مَسْأَلَةٌ كَانَ وَلِيُّهَا فِي النِّكَاح غَائِبًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ أَوْ يَصِلُ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْوَلِيّ الْأَقْرَبَ إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً]

مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا كَانَ وَلِيُّهَا غَائِبًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ، أَوْ يَصِلُ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ، زَوَّجَهَا مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ عَصَبَاتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَالسُّلْطَانُ. الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ: (٥١٨٦) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَقْرَبَ إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، فَلِلْأَبْعَدِ مِنْ عَصَبَتِهَا تَزْوِيجُهَا دُونَ الْحَاكِمِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى النِّكَاحِ مِنْ الْأَقْرَبِ، مَعَ بَقَاءِ وِلَايَتِهِ، فَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ عَضَلِهَا، وَلِأَنَّ الْأَبْعَدَ مَحْجُوبٌ بِوِلَايَةِ الْأَقْرَبِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّزْوِيجُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَدَلِيلُ بَقَاءِ وِلَايَتِهِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، أَوْ وَكَّلَ، صَحَّ

وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . وَهَذِهِ لَهَا وَلِيٌّ، فَلَا يَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيًّا لَهَا، وَلِأَنَّ الْأَقْرَبَ تَعَذَّرَ حُصُولُ التَّزْوِيجِ مِنْهُ، فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَلِيهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ، كَمَا لَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ، وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَجُوزُ فِيهَا التَّزْوِيجُ لِغَيْرِ الْأَقْرَبِ، فَكَانَ ذَلِكَ لِلْأَبْعَدِ، كَالْأَصْلِ، وَإِذَا عَضَلِهَا الْأَقْرَبُ، فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا.

[الْفَصْل الثَّانِي الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ الَّتِي يَجُوزُ لِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ فِي مِثْلِهَا]

(٥١٨٧) وَالْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ، الَّتِي يَجُوزُ لِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ فِي مِثْلِهَا. فَفِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: هِيَ مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ، أَوْ يَصِلُ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا تَتَعَذَّرُ مُرَاجَعَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَتَكُونُ مُنْقَطِعَةً، أَيْ يَنْقَطِعُ عَنْ إمْكَانِ تَزْوِيجِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْمَسَافَةِ أَنْ لَا تُرَدَّدَ الْقَوَافِلُ فِيهِ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً؛ لِأَنَّ الْكُفْءَ يَنْتَظِرُ سَنَةً، وَلَا يَنْتَظِرُ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَيَلْحَقُ الضَّرَرُ بِتَرْكِ تَزْوِيجِهَا. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ: إذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ، يُزَوِّجُ الْأَخَ

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسَّفَرِ الْبَعِيدِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّفَرُ الَّذِي عُلِّقَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ. وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّ حَدَّهَا مَا لَا يُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ حَاضِرٌ مِنْ عَصَبَتِهَا، كَتَبَ إلَيْهِمْ حَتَّى يَأْذَنُوا، إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، لَا تُدْرَكُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ، فَإِنَّ التَّحْدِيدَاتِ بَابُهَا التَّوْقِيفُ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَتُرَدُّ إلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ، مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالِانْتِظَارِ فِيهِ، وَيَلْحَقُ الْمَرْأَةَ الضَّرَرُ بِمَنْعِهَا مِنْ التَّزْوِيجِ فِي مِثْلِهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرَ فِي ذَلِكَ الْوُصُولُ إلَى الْمَصْلَحَةِ مِنْ نَظَرِ الْأَقْرَبِ، فَيَكُونَ كَالْمَعْدُومِ، وَالتَّحْدِيدُ بِالْعَامِّ كَبِيرٌ؛ فَإِنَّ الضَّرَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>