للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥١٩٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا الصِّنَاعَةُ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ أَيْضًا؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهَا شَرْطٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّنَائِعِ الدَّنِيئَةِ، كَالْحَائِكِ، وَالْحَجَّامِ، وَالْحَارِسِ، وَالْكَسَّاحِ، وَالدَّبَّاغِ، وَالْقَيِّمِ، وَالْحَمَّامِيِّ، وَالزَّبَّالِ، فَلَيْسَ بِكُفْءٍ لِبَنَاتِ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ، أَوْ أَصْحَابِ الصَّنَائِعِ الْجَلِيلَةِ، كَالتِّجَارَةِ، وَالْبِنَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ، فَأَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، إلَّا حَائِكًا، أَوْ حَجَّامًا» . قِيلَ لِأَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَيْفَ تَأْخُذُ بِهِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ؟ قَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ. يَعْنِي أَنَّهُ وَرَدَ مُوَافِقًا لِأَهْلِ الْعُرْفِ. وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَقْصٍ، وَيُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الدِّينِ، وَلَا هُوَ لَازِمٌ، فَأَشْبَهَ الضَّعْفَ وَالْمَرَضَ، قَالَ بَعْضُهُمْ:

أَلَا إنَّمَا التَّقْوَى هِيَ الْعِزُّ وَالْكَرَمُ ... وَحُبُّك لِلدُّنْيَا هُوَ الذُّلُّ وَالسَّقَمُ

وَلَيْسَ عَلَى عَبْدٍ تَقِيٍّ نَقِيصَةٌ ... إذَا حَقَّقَ التَّقْوَى وَإِنْ حَاكَ أَوْ حَجَمَ

وَأَمَّا السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ، فَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِعَدَمِهَا، وَلَكِنَّهَا تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ مُخْتَصٌّ بِهَا.

وَلِوَلِيِّهَا مَنْعُهَا مِنْ نِكَاحِ الْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمَجْنُونِ، وَمَا عَدَا هَذَا فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الْكَفَاءَةِ.

[فَصْلٌ مِنْ أَسْلَمَ أَوْ عِتْقَ مِنْ الْعَبِيدِ فَهُوَ كُفْءٌ لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ]

ِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ بِكُفْءٍ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَكْثَرُهُمْ أَسْلَمُوا، وَكَانُوا أَفْضَلَ الْأُمَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ غَيْرُ أَكْفَاءٍ لِلتَّابِعِينَ.

[فَصْلٌ وَلَدُ الزِّنَى يَحْتَمِلُ أَنَّ لَا يَكُونَ كُفُؤًا لِذَاتِ نَسَبٍ]

(٥١٩٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ كُفُؤًا لِذَاتِ نَسَبٍ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ يَنْكِحُ وَيُنْكَحُ إلَيْهِ؟ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُجِبْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِهِ هِيَ وَأَوْلِيَاؤُهَا، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى وَلَدِهَا. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِعَرَبِيَّةٍ، فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَوْلَى.

[فَصْلٌ الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ لَبَعْضٍ أَكْفَاءٌ فِي النِّكَاح]

(٥١٩٧) فَصْلٌ: وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْعَجَمُ، قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَهُ مَوْلَاةٌ: يُزَوِّجُهَا الْخُرَاسَانِيَّ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» . هُوَ فِي الصَّدَقَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>