للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلِي مَالَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَمْلِكُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ تَزْوِيجَهُ، لِيَأْلَفَ حِفْظَ فَرْجِهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ. وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ فَإِنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَ الْجَارِيَةِ الصَّغِيرَةِ، فَالْغُلَامُ أَوْلَى. وَفَارَقَ الْأَبَ وَوَصِيَّهُ؛ فَإِنَّ لَهُمَا تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ، وَوِلَايَةَ الْإِجْبَارِ

وَسَوَاءٌ أَذِنَ الْغُلَامُ فِي تَزْوِيجِهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، فَإِنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ. (٥٢١٦) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْتُوهَ؛ وَهُوَ الزَّائِلُ الْعَقْلُ بِجُنُونٍ مُطْبِقٍ، لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ تَزْوِيجُهُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجُهُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ شَهْوَةُ النِّسَاءِ، بِأَنْ يَتْبَعَهُنَّ وَيُرِيدَهُنَّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِ، وَلَيْسَ لَهُ حَالٌ يَنْتَظِرُ فِيهَا إذْنُهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا تَوْجِيهَ الْوَجْهَيْنِ فِي تَزْوِيجِ الْمَجْنُونَةِ. وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَجُوزَ تَزْوِيجُهُ إذَا قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: إنَّ فِي تَزْوِيجِهِ ذَهَابَ عِلَّتِهِ. لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(٥٢١٧) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ لِلْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ تَزْوِيجَهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ الْغُلَامُ عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونِ، مُسْتَدَامًا أَوْ طَارِقًا، فَأَمَّا الْغُلَامُ السَّلِيمُ مِنْ الْجُنُونِ، فَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ لِأَبِيهِ تَزْوِيجَهُ، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَمِمَّنْ هَذَا مَذْهَبُهُ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَاخْتَصَمَا إلَى زَيْدٍ، فَأَجَازَاهُ جَمِيعًا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ. وَأَمَّا الْغُلَامُ الْمَعْتُوهُ، فَلِأَبِيهِ تَزْوِيجُهُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُلْزِمُهُ بِالتَّزْوِيجِ حُقُوقًا مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. وَلَنَا، أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ، فَمَلَكَ أَبُوهُ تَزْوِيجَهُ، كَالْعَاقِلِ، وَلِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ تَزْوِيجَ الْعَاقِلِ مَعَ أَنَّ لَهُ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ إلَى التَّزْوِيجِ رَأْيًا وَنَظَرًا لِنَفْسِهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ تَزْوِيجُ مَنْ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ ذَلِكَ أَوْلَى. وَفَارَقَ غَيْرَ الْأَبِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَاقِلِ. وَأَمَّا الْبَالِغُ الْمَعْتُوهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، أَنَّ لِلْأَبِ تَزْوِيجَهُ مَعَ ظُهُورِ أَمَارَاتِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا

وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ أَمَارَاتُ الشَّهْوَةِ بِاتِّبَاعِ النِّسَاءِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِي تَزْوِيجِهِ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إضْرَارًا بِهِ، بِإِلْزَامِهِ حُقُوقًا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِي الْتِزَامِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ، فَلَمْ يَجُزْ إجْبَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْعَاقِلِ. وَقَالَ زُفَرُ: إنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَدَامًا، جَازَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>