للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزِّيَادَةُ فِيهَا عَلَى عِوَضِ الْمِثْلِ، كَبَيْعِ مَالِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لِلْأَبِ تَزْوِيجَ ابْنَتِهِ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، فَهَذَا مِثْلُهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، فَجَازَ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ فِيهِ، كَمَا يَجُوزُ فِي مُدَاوَاتِهِ، بَلْ الْجَوَازُ هَاهُنَا أَوْلَى؛ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَرْضَى بِتَزْوِيجِ مَجْنُونٍ، إلَّا أَنْ تَرْغَبَ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، فَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ "، أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ بَذْلًا لِمَالِهِ فِيمَا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ

وَذَكَرَ فِي " الْجَامِعِ "، أَنَّ لَهُ تَزْوِيجَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِأَرْبَعٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُ بِمَعِيبَةٍ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِهِ وَتَفْوِيتًا لِمَالِهِ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ فَعَلَ، خُرِّجَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ. فَهَلْ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، مَضَى تَوْجِيهُهَا فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِمَعِيبٍ. وَمَتَى لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ عَقَلَ الْمَجْنُونُ، فَلَهُمَا الْفَسْخُ، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُ بِأَمَةٍ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهَا مَشْرُوطَةٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، غَيْرُ مَعْدُومٍ فِي الْمَجْنُونِ.

[فَصْلٌ إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ تَعَلَّقَ الصَّدَاقُ بِذِمَّةِ الِابْنِ]

(٥٢٢٢) فَصْلٌ: وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَهُ، تَعَلَّقَ الصَّدَاقُ بِذِمَّةِ الِابْنِ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لِلِابْنِ، فَكَانَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ. وَهَلْ يَضْمَنُهُ الْأَبُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَضْمَنُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: تَزْوِيجُ الْأَبِ لِابْنِهِ الطِّفْلِ جَائِزٌ، وَيَضْمَنُ الْأَبُ الْمَهْرَ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعِوَضِ عَنْهُ، فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ نَطَقَ بِالضَّمَانِ. وَالْأُخْرَى، لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، نَابَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ عِوَضَهُ، كَثَمَنِ مَبِيعِهِ، أَوْ كَالْوَكِيلِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَصَحُّ. وَقَالَ: إنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا كَانَ الِابْنُ مُعْسِرًا، أَمَّا الْمُوسِرُ، فَلَا يَضْمَنُ الْأَبُ عَنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، سَقَطَ نِصْفُ الصَّدَاقِ

فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ دَفْعِ الْأَبِ الصَّدَاقَ عَنْهُ، رَجَعَ نِصْفُهُ إلَى الِابْنِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهِ، بِمَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ مَلَكَهُ بِالطَّلَاقِ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ الْأَبُ أَجْنَبِيًّا ثُمَّ وَهَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ لِلِابْنِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَنْ ابْنِهِ، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْمِلْكُ حَتَّى اسْتَرْجَعَهُ الِابْنُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ قَضَى الصَّدَاقَ عَنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَإِنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَالْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ فِي جَمِيعِهِ، كَالْحُكْمِ فِي الرُّجُوعِ فِي النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>