للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا جُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ لَا يُعْلَمَ كَيْفِيَّةُ وُقُوعِهِمَا، أَوْ يُعْلَمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ لَا بِعَيْنِهِ، أَوْ يُعْلَمَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ يُشَكَّ، فَالْحُكْمُ فِي جَمِيعِهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ يَفْسَخَ الْحَاكِمُ النِّكَاحَيْنِ جَمِيعًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ تَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ أُمِرَ صَاحِبُهُ بِالطَّلَاقِ.

ثُمَّ يُجَدِّدُ الْقَارِعُ نِكَاحَهُ، فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ، لَمْ يَضُرَّهُ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةَ الْآخَرِ، بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاقِهِ، وَصَارَتْ زَوْجَةَ هَذَا بِعَقْدِهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تَدْخُلُ بِتَمَيُّزِ الْحُقُوقِ عِنْدَ التَّسَاوِي، كَالسَّفَرِ بِإِحْدَى نِسَائِهِ، وَالْبُدَاءَةِ بِالْمَبِيتِ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ، وَتَعْيِينِ الْأَنْصِبَاءِ فِي الْقِسْمَةِ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: يُجْبِرُهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً، فَإِنْ أَبَيَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِنَا الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إمْضَاءُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، فَوَجَبَ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِالتَّفْرِيقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إمْضَاؤُهُ

وَهَذَا لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ إشْكَالِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَزُولُ إلَّا بِفَسْخِهِ، كَذَا هَاهُنَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّهَا تُخَيَّرُ، فَأَيُّهُمَا اخْتَارَتْهُ فَهُوَ زَوْجُهَا. وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِزَوْجٍ لَهَا، فَلَمْ تُخَيَّرْ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْقِدْ إلَّا أَحَدُهُمَا، أَوْ كَمَا لَوْ أَشْكَلَ عَلَى الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ فِي النِّسَاءِ، أَوْ عَلَى الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا، إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِقَوْلِهِمْ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ أَحَدَهُمَا، فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآخَرِ، ثُمَّ عَقَدَ الْمُخْتَارُ نِكَاحَهَا

فَهَذَا حَسَنٌ، فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا، عَنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا جَمِيعًا، وَبِفَسْخِ أَحَدِ النِّكَاحَيْنِ عَنْ فَسْخِهِمَا. فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَخْتَارَ، لَمْ تُجْبَرْ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمَا، لَمْ تُجْبَرْ عَلَى نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ زَوْجُهَا، فَيَتَعَيَّنُ إذًا فَسْخُ النِّكَاحَيْنِ، وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي الْحَالِ، إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَخَلَ بِهَا، لَمْ تَنْكِحْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَطْئِهِ.

[ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّنِي السَّابِقُ بِالْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا]

(٥٢٤٤) فَصْلٌ: فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّنِي السَّابِقُ بِالْعَقْدِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا. وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يُقْبَلُ: كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ ابْتِدَاءً. وَلَنَا أَنَّ الْخَصْمَ فِي ذَلِكَ هُوَ الزَّوْجُ الْآخَرُ، فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا فِي إبْطَالِ حَقِّهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ عَلَيْهِ بِطَلَاقٍ. وَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تَعْلَمُ السَّابِقَ مِنْهُمَا، فَأَنْكَرَتْ، لَمْ تُسْتَحْلَفْ لِذَلِكَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تُسْتَحْلَفُ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ إقْرَارَهَا مَقْبُولٌ.

فَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا، لِاخْتِيَارِهَا لِصَاحِبِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>