للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّنَا بَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِعَدَمِ شَرْطِهِ. وَهَكَذَا لَوْ كَانَ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، أَوْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَالْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَكَانَتْ شَرَائِطُ النِّكَاحِ مُجْتَمِعَةً، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْمُقَامِ عَلَى النِّكَاحِ.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " فَرَضِيَ بِالْمُقَامِ " مَعَهَا، وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ غُرَّ فِيهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِحُرِّيَّةِ الْآخَرِ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَالْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ فَإِنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ، وَرِقِّ امْرَأَتِهِ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ فَقْدِ الْكَفَاءَةِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ نِصْفَ الْمُسَمَّى، وَالْفَسْخُ يُسْقِطُ جَمِيعَهُ، فَإِذَا فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ مَعَهَا، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ رِقِّهِمْ فِي الْغُرُورِ اعْتِقَادُ الزَّوْجِ حُرِّيَّتَهَا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِلْمِ

وَلَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ عِلْمِهِ، فَعَلِقَتْ مِنْهُ، ثُمَّ عَلِمَ قَبْلَ الْوَضْعِ، فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُ حُرِّيَّتَهَا.

[فَصْلٌ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقَةِ بِصِفَةٍ كَالْأَمَةِ الْقِنِّ]

فَصْلٌ: وَالْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقَةِ بِصِفَةٍ، كَالْأَمَةِ الْقِنِّ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بِالرِّقِّ، إلَّا أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ يُقَوَّمُ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ حُكْمُ أُمِّهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا فَدَى الْوَلَدَ، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا فِدَاءُ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ بَقِيَّتَهُ حُرٌّ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ، لَا بِاعْتِقَادِ الْوَطْءِ. فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَكَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ مَهْرَهَا لَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهَا، وَكَسْبَهَا لَهَا. وَتَجِبُ قِيمَةُ وَلَدِهَا، عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهَا تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا.

فَإِنْ كَانَ الْغُرُورُ مِنْهَا، فَلَا شَيْءَ لَهَا، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِ شَيْءٍ لَهَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الْغُرُورُ مِنْ غَيْرِهَا، غَرِمَهُ لَهَا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ.

[فَصْلٌ لَا يَثْبُتُ أَنَّهَا أَمَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى]

(٥٢٦٧) فَصْلٌ: وَلَا يَثْبُتُ أَنَّهَا أَمَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَإِنْ أَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً، ثَبَتَ. وَإِنْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا أَمَةٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: لَا يَسْتَحِقُّهَا بِإِقْرَارِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ إقْرَارَهَا يُزِيلُ النِّكَاحَ عَنْهَا، وَيُثْبِتُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهَا، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَإِقْرَارِهَا بِمَالٍ عَلَى غَيْرِهَا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا شَيْءَ لَهُ حَتَّى يُثْبِتَ، أَوْ تُقِرَّ هِيَ أَنَّهَا أَمَتُهُ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهَا؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا بِالرِّقِّ، أَشْبَهَ غَيْرَ الزَّوْجَةِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ إقْرَارُهَا بِالرِّقِّ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>