للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَسٌ تَزْوِيجَ مَنْ أَعْتَقَهَا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُعْتِقَ الْأَمَةَ، ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إذَا أَعْتَقَهَا لِلَّهِ، كُرِهَ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ، فَعَلَّمَهَا، وَأَحْسَنَ إلَيْهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، فَذَلِكَ لَهُ أَجْرَانِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا، فَقَدْ أَحْسَنَ إلَيْهَا بِإِعْفَافِهَا وَصِيَانَتِهَا، فَلَمْ يُكْرَهْ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا رُجُوعٌ فِيمَا جُعِلَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا بِصَدَاقِهَا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى مِنْهَا شَيْئًا.

[فَصْلٌ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ بَعْدَ عِتْقِهَا]

(٥٢٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا، لَمْ يَحْتَجْ إلَى اسْتِبْرَاءٍ، سَوَاءٌ كَانَ يَطَؤُهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِصِيَانَةِ الْمَاءِ، وَلَا يُصَانُ ذَلِكَ عَنْهُ. فَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا، فَلَا يَسْقُطُ بِإِعْتَاقِهِ لَهَا.

قَالَ أَحْمَدُ، فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ لَا يَطَؤُهَا فَيُعْتِقُهَا: لَا يَتَزَوَّجُهَا مِنْ يَوْمِهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، فَإِنْ كَانَ يَطَؤُهَا فَأَعْتَقَهَا، تَزَوَّجَهَا مِنْ يَوْمِهِ، وَمَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا فِي مَائِهِ.

قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى قَوْلِهِ: إنْ كَانَ يَطَؤُهَا. أَيْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَهِيَ الَّتِي قَدْ اسْتَبْرَأَهَا. وَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا. أَيْ: لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا زَمَانُ الِاسْتِبْرَاءِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. وَإِذَا مَضَى لَهَا بَعْضُ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ عِتْقِهَا، أَتَمَّتْهُ بَعْدَهُ، وَلَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَجَبَ بِالشِّرَاءِ، لَا بِالْعِتْقِ، فَيُحْسَبُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ وُجِدَ سَبَبُهُ.

[فَصْلٌ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي فَأَعْتَقَهُ]

(٥٢٨٨) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك، عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي. فَأَعْتَقَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي النِّكَاحِ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الْعِتْقِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ عَبْدِهِ بِعِوَضٍ شَرَطَهُ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ. وَكَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْ زَوْجَتَك، وَعَلَيَّ أَلْفٌ. فَطَلَّقَهَا، أَوْ قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ.

وَبِهَذِهِ الْأُصُولِ يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الْعِتْقِ.

[قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ أَزَوَّجْت فَقَالَ نَعَمْ وَقَالَ لِلزَّوْجِ أَقَبِلْت فَقَالَ نَعَمْ]

(٥٢٨٩) ؛ قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: أَزَوَّجْت. فَقَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ لِلزَّوْجِ: أَقَبِلْت. فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَدْ انْعَقَدَ النِّكَاحُ إذَا حَضَرَهُ شَاهِدَانِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>