للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ التَّعْرِيضُ بِالْخُطْبَةِ فِي الْعِدَّة]

(٥٤١٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ عَرَّضَ لَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، بِأَنْ يَقُولَ: إنِّي فِي مِثْلِك لَرَاغِبٌ. وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ. وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْكَلَامِ، مِمَّا يَدُلُّهَا عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا، فَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَدَّاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ، أَوْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ، أَوْ فَسْخٍ لِتَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِهَا، كَالْفَسْخِ بِرَضَاعٍ، أَوْ لِعَانٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا تَحِلُّ بَعْدَهُ لِزَوْجِهَا، فَهَذِهِ يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا فِي عِدَّتِهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: ٢٣٥] .

وَلِمَا رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا لَمَّا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا: إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي. وَفِي لَفْظٍ: لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِك. وَفِي لَفْظٍ: لَا تَفُوتِينَا بِنَفْسِك» . وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِخِطْبَتِهَا فِي عِدَّتِهَا. وَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَصَّ التَّعْرِيضَ بِالْإِبَاحَةِ، دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّصْرِيحِ، وَلِأَنَّ التَّصْرِيحَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النِّكَاحِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْمِلَهَا الْحِرْصُ عَلَيْهِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَالتَّعْرِيضُ بِخِلَافِهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي، الرَّجْعِيَّةُ، فَلَا يَحِلُّ لَأَحَدٍ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا، وَلَا التَّصْرِيحُ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ، فَهِيَ كَالَّتِي فِي صُلْبِ نِكَاحِهِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ، بَائِنٌ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا نِكَاحُهَا، كَالْمُخْتَلِعَةِ، وَالْبَائِنِ بِفَسْخٍ لَعَيْبٍ أَوْ إعْسَارٍ وَنَحْوِهِ، فَلِزَوْجِهَا التَّصْرِيحُ بِخِطْبَتِهَا وَالتَّعْرِيضُ؛ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ نِكَاحَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَهِيَ كَغَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ. وَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ أَيْضًا قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَجُوزُ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهَا بَائِنٌ فَأَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا. وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَبِيحَهَا، فَهِيَ كَالرَّجْعِيَّةِ. وَالْمَرْأَةُ فِي الْجَوَابِ، كَالرَّجُلِ فِي الْخِطْبَةِ، فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ لِلْعَقْدِ، فَلَا يَخْتَلِفَانِ فِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ؛ إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي فِي مِثْلِك لَرَاغِبٌ.

وَرُبَّ رَاغِبٍ فِيك. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنَّك عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ. وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ. وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْك خَيْرًا أَوْ رِزْقًا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَنْتِ جَمِيلَةٌ. وَأَنْتِ مَرْغُوبٌ فِيك. وَإِنْ قَالَ: لَا تَسْبِقِينَا بِنَفْسِك. أَوْ لَا تَفُوتِينَا بِنَفْسِك. أَوْ إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي. وَنَحْوَ ذَلِكَ، جَازَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَاتَ رَجُلٌ، وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ تَتْبَعُ الْجِنَازَةَ، فَقَالَ لَهَا رَجُلٌ: لَا تَسْبِقِينَا بِنَفْسِك. فَقَالَتْ: سَبَقَك غَيْرُك. وَتُجِيبُهُ الْمَرْأَةُ: إنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ. وَمَا نَرْغَبُ عَنْك. وَمَا أَشْبَهَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>