للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْفَصْلُ الثَّالِث الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا]

(٥٤٣١) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. وَلَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ بِحَمْدِ اللَّهِ. ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ اخْتِلَافُ دِينٍ

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً بَعْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي. فَرَدَّهَا عَلَيْهِ» وَيُعْتَبَرُ تَلَفُّظُهُمَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، لِئَلَّا يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَيَفْسُدَ النِّكَاحُ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمَجْلِسِ، كَالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ كُلِّهِ حُكْمُ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ، لَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ كُلِّ مُسْلِمَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ، إلَّا فِي الشَّاذِّ النَّادِرِ، فَيَبْطُلُ الْإِجْمَاعُ.

[الْفَصْلُ الرَّابِع إسْلَامُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ]

(٥٤٣٢) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَفِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ الْعِدَّةِ

وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَنَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ، وَقَوْلُ الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَكَمِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَنَصَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هَاهُنَا كَقَوْلِهِ فِيمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ، لَزِمَهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَمَ الرَّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ، عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ، وَإِلَّا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً تَعَجَّلَتْ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَهُ وَقَفَتْ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِتَعْجِيلِ الْفُرْقَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] وَلِأَنَّ مَا يُوجِبُ فَسْخَ النِّكَاحِ لَا يَخْتَلِفُ بِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، كَالرَّضَاعِ

وَلَنَا، مَا رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ إسْلَامِ صَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ، أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَبَقِيَ صَفْوَانُ حَتَّى شَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>