للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ أَحْمَدُ. قِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ يُرْوَى أَنَّهُ رَدَّهَا بِنِكَاحٍ مُسْتَأْنَفٍ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَ إسْلَامِهَا وَرَدِّهَا إلَيْهِ ثَمَانِ سِنِينَ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] . وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] وَالْإِجْمَاعُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى تَحْرِيمِ تَزَوُّجِ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ. فَأَمَّا قِصَّةُ أَبِي الْعَاصِ مَعَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ، فَتَكُونَ مَنْسُوخَةً بِمَا جَاءَ بَعْدَهَا، أَوْ تَكُونَ حَامِلًا اسْتَمَرَّ حَمْلُهَا حَتَّى أَسْلَمَ زَوْجُهَا، أَوْ مَرِيضَةً لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حَيْضَاتٍ حَتَّى أَسْلَمَ، أَوْ تَكُونَ رُدَّتْ إلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، فِي (سُنَنِهِ) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: سَمِعْت عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ: سَمِعْت يَزِيدَ بْنَ هَارُونُ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَجْوَدُ إسْنَادًا، وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ.

[فَصْلٌ وَقَعْت الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ]

(٥٤٣٤) فَصْلٌ: وَإِذَا وَقَعْت الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ، الدُّخُولِ، فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِشَيْءِ، فَإِنْ كَانَ مُسَمًّى صَحِيحًا، فَهُوَ لَهَا؛ لِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ، يَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا، وَقَدْ قَبَضَتْهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ، فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّنَا لَا نَتَعَرَّضُ لِمَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ، وَهُوَ حَرَامٌ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا لَمُسْلِمَةٍ، وَلَا فِي نِكَاحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ صَارَتْ أَحْكَامُهُمْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ

فَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ قَبْلَهُ، فَلَهَا نَفَقَةُ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْقَاءِ نِكَاحِهَا، وَاسْتِمْتَاعِهِ مِنْهَا، بِإِسْلَامِهِ مَعَهَا، فَكَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ كَالرَّجْعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ قَبْلَهَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى اسْتِبْقَاءِ نِكَاحِهَا، وَتَلَافِي حَالِهَا، فَأَشْبَهَتْ الْبَائِنَ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا أَوْ لَمْ تُسْلِمْ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ تُسْلِمْ تَبَيَّنَّا أَنَّ نِكَاحَهَا انْفَسَخَ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، فَكَيْفَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْبَائِنِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ الزَّوْجُ تَلَافِيَ نِكَاحِهَا إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الرَّجْعِيَّةِ

فَإِنْ قِيلَ: الرَّجْعِيَّةُ جَرَّتْ إلَى الْبَيْنُونَةِ بِسَبَبٍ مِنْهُ، وَهَذِهِ السَّبَبُ مِنْهَا؟ قُلْنَا: إلَّا أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهَا مُضَيِّقًا، وَيُمْكِنُهُ تَلَافِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَهْرُهَا جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَمْكَنَهُ تَلَافِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>