للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة نِكَاحَ الشِّغَارِ]

(٥٤٨٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا زَوَّجَهُ وَلِيَّتَهُ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ، فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ سَمَّوْا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا أَيْضًا) . هَذَا النِّكَاحُ يُسَمَّى الشِّغَارَ. فَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ شِغَارًا لِقُبْحِهِ، تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْكَلْبِ رِجْلَهُ لِيَبُولَ، فِي الْقُبْحِ. يُقَالُ: شَغَرَ الْكَلْبُ: إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ، وَحُكِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الشِّغَارُ: الرَّفْعُ. فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِلْآخِرِ عَمَّا يُرِيدُ. وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ فَاسِدٌ. رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُمَا فَرَّقَا فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، أَنَّهُ يَصِحُّ، وَتَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ قِبَلِ الْمَهْرِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَهَذَا كَذَلِكَ

وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا جَلَبَ، وَلَا جَنْبَ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» . وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ سَلَفًا فِي الْآخَرِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي ثَوْبَك عَلَى أَنَّ أَبِيعَك ثَوْبِي. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ فَسَادَهُ مِنْ قِبَلِ التَّسْمِيَةِ. قُلْنَا: لَا بَلْ فَسَادُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرَطَ تَمْلِيكَ الْبِضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا مَهْرًا لِلْأُخْرَى، فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ بِشَرْطِ انْتِزَاعِهِ مِنْهُ

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى. أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، وَلَا يُسَمِّي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك. وَيَكُونُ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرَ الْأُخْرَى

وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ.» هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «

<<  <  ج: ص:  >  >>