للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ أَذَان الْأَعْمَى]

(٥٧١) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ بَصِيرًا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الْوَقْتَ، فَرُبَّمَا غَلِطَ، فَإِنْ أَذَّنَ الْأَعْمَى صَحَّ أَذَانُهُ فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ عَمْرٍو: كَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ " أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بَصِيرٌ يُعَرِّفُهُ الْوَقْتَ، أَوْ يُؤَذِّنَ بَعْدَ مُؤَذِّنٍ بَصِيرٍ، كَمَا كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بَعْدَ أَذَانِ بِلَالٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ؛ لِيَتَحَرَّاهَا، فَيُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَرُبَّمَا غَلِطَ وَأَخْطَأَ. فَإِنْ أَذَّنَ الْجَاهِلُ صَحَّ أَذَانُهُ، فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ أَذَانُ الْأَعْمَى فَالْجَاهِلُ أَوْلَى.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ صَيِّتًا، يُسْمِعُ النَّاسَ «وَاخْتَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا مَحْذُورَةَ لِلْأَذَانِ» لِكَوْنِهِ صَيِّتًا، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ؛ لِأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِهِ.

[فَصْلٌ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ]

(٥٧٢) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَكَرِهَهُ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ لِفَاعِلِهِ، لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ مُسْلِمٍ، فَلَمْ يَسْتَأْجِرْهُ عَلَيْهِ كَالْإِمَامَةِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ. وَرَخَّصَ فِيهِ مَالِكٌ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ، يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ.

وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةً إلَيْهِ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ مُتَطَوِّعٌ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يُدْفَعْ الرِّزْقُ فِيهِ يُعَطَّلُ، وَيَرْزُقُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِلْمَصَالِحِ، فَهُوَ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْغُزَاةِ، وَإِنْ وُجِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ لَمْ يَرْزُقْ غَيْرَهُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

[فَصْل يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ مَنْ تَوَلَّى الْأَذَانَ]

(٥٧٣) فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ مَنْ تَوَلَّى الْأَذَانَ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لَا فَرْقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>