للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: عَسَى امْرَأَتُهُ تُرِيدُ الْوَلَدَ

وَهَذَا فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، فَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِذَلِكَ لَثَبَتَ فِي الْآيِسَةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ، فَإِنَّ رِجَالًا لَا يُولَدُ لَأَحَدِهِمْ وَهُوَ شَابٌّ، ثُمَّ يُولَدُ لَهُ وَهُوَ شَيْخٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْهُمَا. وَأَمَّا سَائِرُ الْعُيُوبِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا فَسْخٌ عِنْدَهُمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلُ أَصَابَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخِرِ عَيْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ]

(٥٥٠١) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ إذَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ عَيْبًا، وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَالْأَبْرَصِ يَجِدُ الْمَرْأَةَ مَجْنُونَةً أَوْ مَجْذُومَةً، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ؛ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمَجْبُوبُ الْمَرْأَةَ رَتْقَاءَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُمَا خِيَارٌ؛ لِأَنَّ عَيْبَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَانِعَ لَصَاحِبِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَيْبِ نَفْسِهِ

وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلُهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا خِيَارَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، وَلَا مَزِيَّةَ لَأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبهِ، فَأَشْبَهَا الصَّحِيحَيْنِ. وَالثَّانِي، لَهُ الْخِيَارُ؛ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غُرَّ عَبْدٌ بِأَمَةٍ.

[فَصْلٌ حَدَثَ الْعَيْبُ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ]

(٥٥٠٢) فَصْلٌ: وَإِنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَثْبُتُ الْخِيَارُ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ جُبَّ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي النِّكَاحَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ مُقَارِنًا، فَأَثْبَتَهُ طَارِئًا، كَالْإِعْسَارِ وَكَالرِّقِّ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ إذَا قَارَنَ، مِثْلُ أَنْ تَغِرَّ الْأَمَةُ مِنْ عَبْدٍ، وَيُثْبِتُهُ إذَا طَرَأَتْ الْحُرِّيَّةُ، مِثْلُ إنْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ، فَحُدُوثُ الْعَيْبِ بِهَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، كَالْإِجَارَةِ. وَالثَّانِي، لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، أَشْبَهَ الْحَادِثَ بِالْمَبِيعِ. وَهَذَا يَنْتَقِضُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي الْإِجَارَةِ

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ حَدَثَ بِالزَّوْجِ، أَثْبَتِ الْخِيَارَ، وَإِنْ حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ، فَكَذَلِكَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَالْآخَرِ، لَا يُثْبِتُهُ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ سَابِقًا، فَتَسَاوَيَا فِيهِ لَاحِقًا، كَالْمُتَبَايِعِينَ.

[فَصْلٌ مِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِعُيُوبِ النِّكَاح أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا يَرْضَى بِهَا بَعْدَهُ]

(٥٥٠٣) فَصْلٌ: وَمِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ، أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَا يَرْضَى بِهَا بَعْدَهُ، فَإِنْ عَلِمَ بِهَا فِي الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ فَرَضِيَ، فَلَا خِيَارَ لَهُ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ، فَأَشْبَهَ مُشْتَرِيَ الْمَعِيبِ. وَإِنْ ظَنَّ الْعَيْبَ يَسِيرًا فَبَانَ كَثِيرًا، كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَرَصَ فِي قَلِيلٍ مِنْ جَسَدِهِ، فَبَانَ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ، فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ، فَبَانَ بِهِ غَيْرُهُ،

فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَلَا بِجِنْسِهِ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، كَالْمَبِيعِ إذَا رَضِيَ بِعَيْبٍ فِيهِ، فَوَجَدَ بِهِ غَيْرَهُ. وَإِنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ، فَزَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ، كَأَنْ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>