للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا، فَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ وَلَا النِّسَاءِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نِكَاحِهِ، فَذَكَرَ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ رَجُلُ، وَأَنَّهُ يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَى نِكَاحِ النِّسَاءِ، فَلَهُ نِكَاحُهُنَّ. وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَى الرِّجَالِ، زُوِّجَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إيجَابُ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا وَعِدَّتِهَا.

وَقَدْ يَعْرِفُ نَفْسَهُ بِمَيْلِ طَبْعِهِ إلَى أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَشَهْوَتِهِ لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ فِي الْحَيَوَانَات بِمَيْلِ الذَّكَرِ إلَى الْأُنْثَى وَمَيْلِهَا إلَيْهِ، وَهَذَا الْمَيْلُ أَمْرٌ فِي النَّفْسِ وَالشَّهْوَةُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْنَا مَعْرِفَةُ عَلَامَاتِهِ الظَّاهِرَةِ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ، فِيمَا يَخْتَصُّ هُوَ بِحُكْمِهِ. وَأَمَّا الْمِيرَاثُ وَالدِّيَةُ، فَإِنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُقَلِّلُ مِيرَاثَهُ أَوْ دِيَتَهُ، قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ ادَّعَى مَا يَزِيدُ ذَلِكَ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ.

وَمَا كَانَ مِنْ عِبَادَاتِهِ وَسُتْرَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْقَاضِي: وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِمَامَةِ، وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَمَا لَا يُثْبِتُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ. وَإِذَا زُوِّجَ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ خِلَافَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ الَّذِي زُوِّجَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ، وَمُدَّعٍ مَا يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَ تَزْوِيجِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ؛ لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْهُ.

وَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهُ. وَذَكَرَهُ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِي. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ مَذْهَبٌ لِلشَّافِعِي؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ مَا يُبِيحُ لَهُ النِّكَاحَ. فَلَمْ يُبَحْ لَهُ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهُ بِنِسْوَةٍ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ: إنِّي رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالدِّيَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَكَذَلِكَ، فِي نِكَاحِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ نَفْسَهُ كَمَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ اشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمَحْظُورِ فِي حَقِّهِ، فَحُرِّمَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.

[مَسْأَلَة أَصَابَ الرَّجُلُ أَوْ أُصِيبَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ بِنِكَاحِ صَحِيحٍ]

(٥٥٤٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ أَوْ أُصِيبَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِزَائِلِ الْعَقْلِ، رُجِمَا إذَا زَنَيَا، وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ الْحُرَّانِ فِيمَا وَصَفْت سَوَاءٌ. ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْبَاب شَرَائِطَ الْإِحْصَانِ. وَنَحْنُ نُؤَخِّرُهُ إلَى الْحُدُودِ، فَإِنَّهُ أَخَصُّ بِهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>