للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمَنْفَعَتِهَا فَأَشْبَهَ أَجْرَ دَارِهَا وَصَدَاقَ أَمَتِهَا. فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهَا الْوَلِيُّ فِي الصَّدَاقِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ فِي الْبَيْعِ إنْ جُعِلَ الصَّدَاقُ مَهْرَ الْمِثْلِ فَمَا زَادَ صَحَّ وَلَزِمَ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

[فَصْلُ الصَّدَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا مَالًا]

(٥٥٦٤) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا مَالًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ يُتَمَوَّلُ عَادَةً، بِحَيْثُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَقِيَ لَهَا مِنْ النِّصْفِ مَالٌ حَلَالٌ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: لَهُ نِصْفٌ يُحَصَّلُ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ، كَالْمُحَرَّمِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَقِشْرَةِ جَوْزَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيهِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَالْمَبِيعِ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ مِمَّا يُتَمَوَّلُ عَادَةً وَيُبْذَلُ الْعِوَضُ فِي مِثْلِهِ عُرْفًا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَعْرِضُ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا يَبْقَى لِلْمَرْأَةِ إلَّا نِصْفُهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَبْقَى لَهَا مَالٌ تَنْتَفِعُ بِهِ. وَيُعْتَبَرُ نِصْفُ الْقِيمَةِ، لَا نِصْفُ عَيْنِ الصَّدَاقِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ قِسْمَتُهُ.

[مَسْأَلَة أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّتْهُ]

مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ وَإِذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ، فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّتْهُ، فَلَهَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا فَلَهَا رَدُّهُ كَالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إذَا كَانَ الْعَيْبُ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، فَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ، فَرُدَّ بِهِ الصَّدَاقُ، كَالْكَثِيرِ، وَإِذَا رَدَّتْهُ، فَلَهَا قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ، فَيَبْقَى سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَهَا إيَّاهُ فَأَتْلَفَهُ، وَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ مِثْلِيًّا، كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَرَدَّتْهُ، فَلَهَا عَلَيْهِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَارَتْ إمْسَاكَ الْمَعِيبِ، وَأَخْذَ أَرْشِهِ فَلَهَا ذَلِكَ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ.

وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهَا، ثُمَّ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا خُيِّرَتْ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ، وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ أَرْشِ عَيْبِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَيَثْبُتُ فِيهِ ذَلِكَ، كَالْبَيْعِ، وَسَائِرِ فُرُوعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَيَثْبُتُ فِيهَا هَا هُنَا مِثْلُ مَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.

[فَصْلٌ شَرَطَتْ فِي الصَّدَاقِ صِفَةً مَقْصُودَةً]

(٥٥٦٦) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَتْ فِي الصَّدَاقِ صِفَةً مَقْصُودَةً، كَالْكِتَابَةِ وَالصِّنَاعَةِ، فَبَانَ بِخِلَافِهَا، فَلَهَا الرَّدُّ، كَمَا تُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ وَهَكَذَا إنْ دَلَّسَهُ تَدْلِيسًا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ، مِثْلُ تَحْمِيرِ وَجْهِ الْجَارِيَةِ، وَتَسْوِيدِ شَعْرِهَا وَتَجْعِيدِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>