للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: يَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَتَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ، لِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَدَاقِهَا لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ إلَّا لِلزَّوْجَةِ، لِأَنَّهُ عِوَضُ بُضْعِهَا، فَيَبْقَى مَجْهُولًا، لِأَنَّنَا نَحْتَاجُ أَنَّ نَضُمَّ إلَى الْمَهْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى، فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] فَجَعَلَ الصَّدَاقَ الْإِجَارَةَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمِهِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ لِلْوَالِدِ الْأَخْذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيكَ» وَقَوْلِهِ: «إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَنَحْوَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، فَإِذَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ، يَكُونُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ، وَلَهُ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ. مَمْنُوعٌ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ شَرَطَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ لِنَفْسِهِ، صَحَّ؛ بِدَلِيلِ قِصَّةِ شُعَيْبٍ، فَإِنَّهُ شَرَطَ الْجَمِيعَ لِنَفْسِهِ. وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا، وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا، فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، رَجَعَ الزَّوْجُ فِي الْأَلْفِ الَّذِي قَبَضَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَالْأَلْفَانِ جَمِيعُ صَدَاقِهَا، فَرَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِمَا، وَهُوَ أَلْفٌ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ أَلْفًا، فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِهِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ قَدْ قَبَّضَهَا الْأَلْفَيْنِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا، سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ أَلْفٌ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَلْفٌ لِلزَّوْجَةِ يَأْخُذُ الْأَبُ مِنْهَا مَا شَاءَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.

وَقَالَ: نَقَلَهُ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النِّصْفَ وَلَمْ يُحَصَّلْ مِنْ الصَّدَاقِ إلَّا النِّصْفُ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ، فَإِنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مَا شَاءَ، وَيَتْرُكَ مَا شَاءَ، وَإِذَا مَلَكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ. (٥٥٨١) فَصْلٌ: فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَجَمِيعُ الْمُسَمَّى لَهَا. ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ "؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا بَطَلَ احْتَجْنَا أَنَّ نَرُدَّ إلَى الصَّدَاقِ مَا نَقَصَتْ الزَّوْجَةُ لِأَجْلِهِ، وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ، فَيَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ. وَإِنْ أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ، عَلَى أَنْ تُعْطِيَ أَخَاهَا أَلْفًا، فَالصَّدَاقُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُزَادُ فِي الْمَهْرِ مِنْ أَجَلِهِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَلَنَا، أَنَّ جَمِيعَ مَا اشْتَرَطَتْهُ عِوَضٌ فِي تَزْوِيجِهَا، فَيَكُونُ صَدَاقًا لَهَا، كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لَهَا، وَإِذَا كَانَ صَدَاقًا انْتَفَتْ الْجَهَالَةُ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُشْتَرِطُ، لَكَانَ الْجَمِيعُ صَدَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>