للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: وَلِيُّ الْعُقْدَةِ الزَّوْجُ.» وَلِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ بَعْدَ الْعَقْدِ هُوَ الزَّوْجُ، فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَطْعِهِ وَفَسْخِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَلَيْسَ إلَى الْوَلِيِّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: ٢٣٧] وَالْعَفْوُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّقْوَى هُوَ عَفْوُ الزَّوْجِ عَنْ حَقِّهِ، أَمَّا عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ مَالِ الْمَرْأَةِ، فَلَيْسَ هُوَ أَقْرَبَ إلَى التَّقْوَى، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ مَالٌ لِلزَّوْجَةِ، فَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ هِبَتَهُ وَإِسْقَاطَهُ، كَغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهَا وَحُقُوقِهَا، وَكَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا يَمْتَنِعُ الْعُدُولُ عَنْ خِطَابِ الْحَاضِرِ إلَى خِطَابِ الْغَائِبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: ٢٢] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور: ٥٤] فَعَلَى هَذَا مَتَى طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ تَنَصَّفَ الْمَهْرُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَفَا الزَّوْجُ لَهَا عَنْ النِّصْفِ الَّذِي لَهُ، كَمَلَ لَهَا الصَّدَاقُ جَمِيعُهُ، وَإِنْ عَفَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي لَهَا مِنْهُ، وَتَرَكَتْ لَهُ جَمِيعَ الصَّدَاقِ، جَازَ، إذَا كَانَ الْعَافِي مِنْهُمَا رَشِيدًا جَائِزًا تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ سَفِيهًا، لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ بِهِبَةٍ وَلَا إسْقَاطٍ.

وَلَا يَصِحُّ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ صَدَاق الزَّوْجَةِ، أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَعَفَا أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا، مَا أَرَى عَفْوَ الْأَبِ إلَّا جَائِزًا. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: مَا أَرَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ إلَّا قَوْلًا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَدِيمًا.

وَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ بِجَوَازِ عَفْوِ الْأَبِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ إسْقَاطُ دُيُونِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا إعْتَاقُ عَبِيدِهِ، وَلَا تَصَرُّفُهُ لَهُ إلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ، وَلَا حَظَّ لَهَا فِي هَذَا الْإِسْقَاطِ، فَلَا يَصِحُّ.

وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِخَمْسِ شَرَائِطَ؛: أَوَّلُهَا أَنْ يَكُونَ أَبًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَلِي مَالَهَا، وَلَا يُتَّهَمُ عَلَيْهَا. الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً، لِيَكُونَ وَلِيًّا عَلَى مَالِهَا، فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ تَلِي مَالَ نَفْسِهَا. الثَّالِثُ، أَنْ تَكُونَ بِكْرًا لِتَكُونَ غَيْرَ مُبْتَذَلَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الثَّيِّبِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، فَلَا تَكُونُ وِلَايَتُهُ عَلَيْهَا تَامَّةً. الرَّابِعُ، أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ مُعَرَّضَةٌ لِإِتْلَافِ الْبُضْعِ. الْخَامِسُ، أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ قَدْ أَتْلَفَ الْبُضْعَ، فَلَا يَعْفُو عَنْ بَدَلٍ مُتْلَفٍ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا، إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْجَدَّ كَالْأَبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>