للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَحَبًّا، لِيَكُونَ مَا يُظْهِرُهُ أَذَانًا وَدُعَاءً إلَى الصَّلَاةِ، وَمَا يُسِرُّهُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ.

(٥٩٦) فَصْلٌ: قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يَقُومُ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ مُبَادِرًا يَرْكَعُ؟ فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رُكُوعُهُ بَعْدَمَا يَفْرُغُ الْمُؤَذِّنُ، أَوْ يَقْرُبُ مِنْ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ حِينَ يَسْمَعُ الْأَذَانَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ بِالْقِيَامِ. وَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَسَمِعَ الْمُؤَذِّنَ اُسْتُحِبَّ لَهُ انْتِظَارُهُ لِيَفْرُغَ، وَيَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ جَمْعًا بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَقَوْلِهِ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ، فَلَا بَأْسَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

[فَصْل الزِّيَادَةُ عَلَى مُؤَذِّنَيْنِ]

(٥٩٧) فَصْلٌ: وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى مُؤَذِّنَيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ مُؤَذِّنَانِ، بِلَالٌ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ. إلَّا أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمَا فَيَجُوزَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ مُؤَذِّنِينَ. وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، كَانَ مَشْرُوعًا، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ وَكَانَ الْوَاحِدُ يُسْمِعُ النَّاسَ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ لِأَنَّ مُؤَذِّنِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحَدُهُمَا يُؤَذِّنُ بَعْدَ الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَ الْإِعْلَامُ لَا يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ، أَذَّنُوا عَلَى حَسَبِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ أَمَّا أَنْ يُؤَذِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَنَارَةٍ أَوْ نَاحِيَةٍ، أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ: قَالَ أَحْمَدُ إنْ أَذَّنَ عِدَّةٌ فِي مَنَارَةٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ خَافُوا مِنْ تَأْذِينِ وَاحِدٍ بَعْدَ الْآخَرِ فَوَاتَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، أَذَّنُوا جَمِيعًا دَفْعَةً وَاحِدَةً.

[فَصْلٌ لَا يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ]

(٥٩٨) فَصْلٌ: وَلَا يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ، إلَّا أَنْ يَتَخَلَّفَ وَيُخَافُ فَوَاتِ وَقْتِ التَّأْذِينِ فَيُؤَذِّنَ غَيْرُهُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، أَنَّهُ أَذَّنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ غَابَ بِلَالٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُ. وَأَذَّنَ رَجُلٌ حِينَ غَابَ أَبُو مَحْذُورَةَ قَبْلَهُ. فَأَمَّا مَعَ حُضُورِهِ فَلَا يَسْبِقُ بِالْأَذَانِ، فَإِنَّ مُؤَذِّنِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ يَسْبِقُهُمْ بِالْأَذَانِ.

[فَصْلٌ إذَا تَشَاحَّ نَفْسَانِ فِي الْأَذَانِ]

(٥٩٩) فَصْلٌ: وَإِذَا تَشَاحَّ نَفْسَانِ فِي الْأَذَانِ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا فِي الْخِصَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّأْذِينِ، فَيُقَدَّمُ مَنْ كَانَ أَعْلَى صَوْتًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» . وَقَدَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِصَوْتِهِ. وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ مَنْ كَانَ أَبْلَغَ فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ، وَأَشَدَّ مُحَافَظَةً عَلَيْهِ، وَمَنْ يَرْتَضِيهِ الْجِيرَانُ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَبْلُغُهُمْ صَوْتُهُ وَمَنْ هُوَ أَعَفُّ عَنْ النَّظَرِ. فَإِنْ تَسَاوَيَا مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>