للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا. وَإِنْ طَلَبَهَا، فَسَأَلْت الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَتْ مُدَّةً جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تُصْلِحَ أَمَرَهَا فِيهَا، كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلًا، حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغَيَّبَةُ» . فَمَنَعَ مِنْ الطُّرُوقِ، وَأَمَرَ بِإِمْهَالِهَا لِتُصْلِحَ أَمْرَهَا؛ مَعَ تَقَدُّمِ صُحْبَتِهِ لَهَا، فَهَاهُنَا أَوْلَى.

ثُمَّ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَجَبَ تَسْلِيمُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَافِرُ بِنِسَائِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفَرًا مَخُوفًا، فَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ عُقِدَ عَلَى إحْدَى مَنْفَعَتَيْهَا، فَلَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا لِخِدْمَةِ النَّهَارِ، لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهَا بِاللَّيْلِ. وَيَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهَا؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِعَائِشَةَ فِي شِرَاءِ بَرِيرَةَ، وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ. وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّ بَيْعَ بَرِيرَةَ لَمْ يُبْطِلْ نِكَاحَهَا» .

[فَصْلٌ إجْبَار زَوْجَته عَلَى الْغُسْل مِنْ الْحَيْض وَالنِّفَاس]

(٥٦٩٤) فَصْل: وَلِلزَّوْجِ إجْبَارُ زَوْجَتِهِ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ مَمْلُوكَةً؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ، فَمَلَكَ إجْبَارَهَا عَلَى إزَالَةِ مَا يَمْنَعُ حَقَّهُ. وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى شِرَاءِ الْمَاءِ فَثَمَنُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّهِ. وَلَهُ إجْبَارُ الْمُسْلِمَةِ الْبَالِغَةِ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا، وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْهَا إلَّا بِالْغُسْلِ. فَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ؛: إحْدَاهُمَا، لَهُ إجْبَارُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ يَقِفُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ النَّفْسَ تَعَافُ مَنْ لَا يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ. وَالثَّانِيَةُ، لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ بِدُونِهِ؛ وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ.

وَفِي إزَالَةِ الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَجْهَانِ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَتَسْتَوِي فِي هَذَا الْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي حُصُولِ النَّفْرَةِ مِمَّنْ ذَلِكَ حَالُهَا. وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى إزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ، إذَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَكَذَلِكَ الْأَظْفَارُ. وَإِنْ طَالَا قَلِيلًا، بِحَيْثُ تَعَافُهُ النَّفْسُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، كَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْكُرَّاتِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْقُبْلَةَ، وَكَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>