للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوَّى بَيْنَهُنَّ كَمَا يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْحَضَرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِلْحَاضِرَاتِ بَعْدَ قُدُومِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " فَإِذَا قَدِمَ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ بَيْنَهُنَّ ". وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ يَقْضِي؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: ١٢٩] وَلَنَا، أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَذْكُرْ قَضَاءً فِي حَدِيثِهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الَّتِي سَافَرَ بِهَا يَلْحَقُهَا مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لَهَا مِنْ السَّكَنِ، وَلَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ السَّكَنِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ فِي الْحَضَرِ، فَلَوْ قُضِيَ لِلْحَاضِرَاتِ، لَكَانَ قَدْ مَالَ عَلَى الْمُسَافِرَةِ كُلَّ الْمَيْلِ، لَكِنْ إنْ سَافَرَ بِإِحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، أَثِمَ، وَقَضَى لِلْبَوَاقِي بَعْدَ سَفَرِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ قَسْمَ الْحَضَرِ لَيْسَ بِمِثْلٍ لَقَسْمِ السَّفَرِ، فَيَتَعَذَّرُ الْقَضَاءُ. وَلَنَا، أَنَّهُ خَصَّ بَعْضَهُنَّ بِمُدَّةٍ، عَلَى وَجْهٍ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِيهِ، فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا يَقْضِي مِنْهَا مَا أَقَامَ مِنْهَا مَعَهَا بِمَبِيتٍ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا زَمَانُ السَّيْرِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِنْهُ إلَّا التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ فَلَوْ جَعَلَ لِلْحَاضِرَةِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ مَبِيتًا عِنْدَهَا، وَاسْتِمْتَاعًا بِهَا، لَمَالَ كُلَّ الْمَيْلِ.

[فَصْلٌ إذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُنَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا]

(٥٧٣٢) فَصْلٌ: إذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُنَّ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا، وَلَهُ تَرْكُهَا وَالسَّفَرُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُوجِبُ، وَإِنَّمَا تُعَيِّنُ مَنْ تَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ. وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِغَيْرِهَا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالْقُرْعَةِ، فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا. وَإِنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا، جَازَ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَصَحَّتْ هِبَتُهَا لَهُ، كَمَا لَوْ وَهَبَتْ لَيْلَتَهَا فِي الْحَضَرِ. وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَى الزَّوْجِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي هِبَةِ اللَّيْلَةِ فِي الْحَضَرِ.

وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ، أَوْ لِلْجَمِيعِ، جَازَ. وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ، سَقَطَ حَقُّهَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، وَإِنْ أَبَى، فَلَهُ إكْرَاهُهَا عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ، أَسْتَأْنَفَ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الْبَوَاقِي. وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجَاتُ كُلُّهُنَّ بِسَفَرِ وَاحِدَةٍ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ، إلَّا أَنْ لَا يَرْضَى الزَّوْجُ، وَيُرِيدَ غَيْرَ مَنْ اتَّفَقْنَ عَلَيْهَا، فَيُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ. وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى. وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا ثَانِيًا، أَنَّهُ يَقْضِي لِلْبَوَاقِي فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

وَلَنَا، أَنَّهُ سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ، فَلَمْ يَقْضِ كَالطَّوِيلِ، وَلَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَجُزْ الْمُسَافَرَةُ بِإِحْدَاهُنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>