للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ» يَعْنِي بَعْدَ الْعَامَيْنِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى وَصْفِ الرَّضَاعِ، لِأَنَّ جِنْسَهُ كَافٍ، كَمَا لَوْ ذَكَرَ جِنْسَ الْخِيَاطَةِ فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنْ مَاتَتْ الْمُرْضِعَةُ، أَوْ جَفَّ لَبَنُهَا، فَعَلَيْهَا أَجْرُ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ. وَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ فَكَذَلِكَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَنْفَسِخُ، وَيَأْتِيهَا بِصَبِيٍّ تُرْضِعُهُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مُسْتَوْفَى بِهِ، لَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَمَاتَ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى فِعْلٍ فِي عَيْنٍ، فَيَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا، كَمَا لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، وَلِأَنَّ مَا يَسْتَوْفِيه مِنْ اللَّبَنِ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِحَاجَةِ الصَّبِيِّ، وَحَاجَاتُ الصِّبْيَانِ تَخْتَلِفُ وَلَا تَنْضَبِطُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ إبْدَالَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ فِي حَيَاتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَالْمُرْضِعَةِ، بِخِلَافِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ. وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ قَبْلَ مُضِيِّ شَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ، فَعَلَيْهَا أَجْرُ رَضَاعِ مِثْلِهِ.

وَعَنْ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا، وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ. وَلَنَا، أَنَّهُ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهَا، كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى قَفِيزٍ، فَهَلَكَ قَبْلَ قَبْضِهِ.

[فَصْلٌ خَالَعَهَا عَلَى كَفَالَةِ وَلَدِهِ عَشْرَ سِنِينَ]

فَصْلٌ: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى كَفَالَةِ وَلَدِهِ عَشْرَ سِنِينَ، صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُدَّةَ الرَّضَاعِ مِنْهَا، وَلَا قَدْرَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ، وَيُرْجَعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى نَفَقَةِ مِثْلِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَذْكُرَ مُدَّةَ الرَّضَاعِ، وَقَدْرَ الطَّعَامِ وَجِنْسَهُ، وَقَدْرَ الْإِدَامِ وَجِنْسَهُ، وَيَكُونَ الْمَبْلَغُ مَعْلُومًا مَضْبُوطًا بِالصِّفَةِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَمَا يَحِلُّ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ. وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّعَامِ لِلْأَجِيرِ مُطْلَقًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِجَارَةِ وَدَلَلْنَا عَلَيْهِ بِقِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي مُوسَى، آجَرَ نَفْسَهُ بِطَعَامِ بَطْنِهِ وَعِفَّةِ فَرْجِهِ» وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُسْتَحَقَّةٌ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، كَذَا هَاهُنَا.

وَلِلْوَالِدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مُؤْنَةِ الصَّبِيِّ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهَا، فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْفَقَهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ، وَأُنْفِقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي إنْفَاقِهِ عَلَى الصَّبِيِّ، جَازَ فَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ، فَلِأَبِيهِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُؤْنَةِ. وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ دَفْعَةً أَوْ يَوْمًا بِيَوْمٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>