للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: أَنْتِ اسْتَدْعَيْت مِنِّي الطَّلَاقَ بِالْأَلْفِ. فَأَنْكَرَتْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَإِذَا حَلَفَتْ بَرِئَتْ مِنْ الْعِوَضِ وَبَانَتْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي بَيْنُونَتِهَا لِأَنَّهَا حَقُّهُ، غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الْعِوَضِ لِأَنَّهُ عَلَيْهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَإِنْ قَالَ: مَا اسْتَدْعَيْت مِنِّي الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا أَنَا ابْتَدَأْت بِهِ، فَلِي عَلَيْك الرَّجْعَةُ. وَادَّعَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَوَابًا لِاسْتِدْعَائِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ. وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْأَلْفِ. فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ رَجْعِيًّا كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ، وَعَلَيْك أَلْفٌ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةٍ مُهَنًّا، فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقُلْ هِيَ شَيْئًا: فَهِيَ طَالِقٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثَانِيًا.

وَقَالَ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ ": ذَلِكَ لِلشَّرْطِ، تَقْدِيرُهُ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ ضَمِنَتْ لَهُ أَلْفًا، وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْك. فَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، الطَّلَاقُ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي إنْ قَبِلَتْ ذَلِكَ لَزِمَهَا الْأَلْفُ، وَكَانَ خُلْعَا وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَلَى بِمَعْنَى الشَّرْطِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، مِنْهَا قَوْلُهُ: وَإِذَا أَنْكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَلَهَا فِرَاقُهُ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا. وَذَلِكَ أَنَّ عَلَى تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] . وَقَالَ {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: ٩٤] وَقَالَ مُوسَى {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: ٦٦] وَلَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى صَدَاقِ كَذَا. صَحَّ، وَإِذَا أَوْقَعَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يَقَعْ بِدُونِهِ، وَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا، أَوْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهَا عِوَضًا لَمْ تَبْذُلْهُ، فَوَقَعَ رَجْعِيًّا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْك أَلْفٌ. وَلِأَنَّ عَلَى لَيْسَتْ لِلشَّرْطِ، وَلَا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك ثَوْبِي عَلَى دِينَارٍ.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت وَاحِدَةً مِنْهَا بِأَلْفٍ]

(٥٧٩١) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ. فَقَالَتْ: قَبِلْت وَاحِدَةً مِنْهَا بِأَلْفٍ. وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ إلَيْهِ إنَّمَا عَلَّقَهُ بِعِوَضٍ يَجْرِي مَجْرَى الشَّرْطِ مِنْ جِهَتِهَا، وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ. وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>