للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْعِوَضَ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الذَّهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الرَّأْي. وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ. وَأَصِلُ هَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا تَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ بِصَدَاقٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا رَشِيدَةً، وَالْأُخْرَى مَحْجُورًا عَلَيْهَا لِسَفَهٍ، فَقَالَتَا: قَدْ شِئْنَا. وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا، وَوَجَبَ عَلَى الرَّشِيدَةِ قِسْطُهَا مِنْ الْعِوَضِ، وَوَقَعَ طَلَاقُهَا بَائِنًا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ لَهَا مَشِيئَةً، وَلَكِنَّ الْحَجْرَ مَعَ صِحَّةِ تَصَرُّفِهَا وَنُفُوذِهِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَشِيئَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، وَفِيمَا تَأْكُلُهُ.

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ، إلَّا أَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ، فَإِنَّ لَهَا مَشِيئَةً صَحِيحَةً، وَلِهَذَا يُخَيَّرُ الْغُلَامُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ إذَا بَلَغَ سَبْعًا. وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، لَمْ تَصِحَّ الْمَشِيئَةُ مِنْهُمَا وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ الرَّشِيدَةَ يَلْزَمُهَا قِسْطُهَا مِنْ الْعِوَض، وَهُوَ قِسْطُ مَهْرِهَا مِنْ الْعِوَضِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ نِصْفُهُ. وَإِنَّ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتَاهُ: طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ. فَطَلَّقَهُمَا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا وَحْدَهَا، فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْأَلْفِ. وَإِنْ قَالَتَا: طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ. فَطَلَّقَهُمَا، فَالْأَلْفُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ صَدَاقَيْهِمَا، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا، فَعَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْهُ. وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ رَشِيدَةٍ، فَطَلَّقَهُمَا، فَعَلَى الرَّشِيدَةِ حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ، يَقَعُ طَلَاقُهَا بَائِنًا، وَتَطْلُقُ الْأُخْرَى طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا.

[فَصْلٌ الْخُلْع مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ]

(٥٨٠١) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الْخُلْعُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْأَجْنَبِيُّ لِلزَّوْجِ: طَلِّقْ امْرَأَتَك بِأَلْفٍ عَلَيَّ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، فَإِنَّهُ يَبْذُلُ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ لَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْ عَبْدَك لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَيَّ. وَلَنَا، أَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ إسْقَاطِ حَقٍّ عَنْ غَيْرِهِ فَصَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ. وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ. صَحَّ، لَزِمَهُ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ حَقًّا عَنْ أَحَدٍ، فَهَاهُنَا أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الْمَرْأَةِ، يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهَا بِعِوَضٍ، فَجَازَ لِغَيْرِهَا، كَالدَّيْنِ. وَفَارَقَ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ، فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاءِ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ. وَإِنْ قَالَ: طَلِّقْ امْرَأَتَك بِمَهْرِهَا، وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ. صَحَّ. يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَهْرِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>