للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا امْرَأَةَ لَهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِعَدَمِ النِّيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْكِنَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ طَلَاقَهَا، طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ صَحِبَتْهَا النِّيَّةُ.

وَبِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: لَا تَطْلُقُ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِكِنَايَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ هُوَ كَاذِبٌ فِيهِ، وَلَيْسَ بِإِيقَاعٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ مُحْتَمِلُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فَلَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: أَنْتِ بَائِنٌ. وَغَيْرَهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ. فَأَمَّا إنْ قَالَ: طَلَّقْتهَا. وَأَرَادَ الْكَذِبَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ، يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَإِنْ قَالَ: خَلَّيْتهَا، أَوْ أَبَنْتهَا. افْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. (٥٨٧٥) فَصْلٌ: فَإِنْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْت امْرَأَتك؟ فَقَالَ: نَعَمْ. أَوْ قِيلَ لَهُ: امْرَأَتُك طَالِقٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ.

وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتِيَارِ الْمُزَنِيّ؛ لِأَنَّ نَعَمْ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ، وَالْجَوَابُ الصَّرِيحُ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ صَرِيحٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ: أَلِفُلَانٍ عَلَيْك أَلْفٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَجَبَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْت امْرَأَتَك؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ. وَقَالَ: أَرَدْت الْإِيقَاعَ. وَقَعَ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنِّي عَلَّقْت طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ. قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَهُ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ مَاضٍ. أَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَك امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: قَدْ طَلَّقْتهَا. ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْت أَنِّي طَلَّقْتهَا فِي نِكَاحٍ آخَرَ. دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ، وَإِنْ كَانَ وُجِدَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.

[فَصْلٌ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ]

فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: حَلَفْت بِالطَّلَاقِ. أَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ. وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي الْحُكْمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: حَلَفْت بِالطَّلَاقِ. وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ: هِيَ كِذْبَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَهُ حَلَفْت. لَيْسَ بِحَلِفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ الْحَلِفِ، فَإِذَا كَانَ كَاذِبًا فِيهِ، لَمْ يَصِرْ حَالِفًا، كَمَا لَوْ قَالَ: حَلَفْت بِاَللَّهِ. وَكَانَ كَاذِبًا. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي الْحُكْمِ. وَحَكَى فِي زَادِ الْمُسَافِرِ عَنْ الْمَيْمُونِي، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: حَلَفْت بِالطَّلَاقِ. وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ، يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ. أَيْ فِي الْحُكْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَجَعَلَهُ كِنَايَةً عَنْهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: يُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ. أَمَّا الَّذِي قَصَدَ الْكَذِبَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>