للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ، فَلَمْ يَسُغْ لَهُ ذَلِكَ، كَالْمُجْتَهِدِ إذَا تَرَكَ جِهَةَ اجْتِهَادِهِ، وَالْأَوْلَى صِحَّتُهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِدَلِيلٍ لَهُ الْأَخْذُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ.

فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ اسْتَوَيَا، وَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ، فَإِنَّهُ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمَفْضُولَ مُصِيبٌ، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ تَقْلِيدِ الْأَفْضَلِ. فَأَمَّا إنْ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ، فَلَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، كَالْعَامِّيِّ مَعَ الْعُلَمَاءِ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ.

[فَصْلٌ الْمُقَلِّدُ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ]

(٦٢٤) فَصْلٌ: وَالْمُقَلِّدُ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ، إمَّا لِعَدَمِ بَصَرِهِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ بَصِيرَتِهِ، وَهُوَ الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ وَالصَّلَاةُ بِاجْتِهَادِهِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. فَأَمَّا مَنْ يُمْكِنُهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّعَلُّمُ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِالتَّقْلِيدِ كَالْمُجْتَهِدِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْعَامِّيَّ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ تَعَلُّمُ الْفِقْهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفِقْهَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ. فَهُوَ كَاَلَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا. وَإِنْ أَخَّرَ هَذَا التَّعَلُّمَ وَالصَّلَاةَ إلَى حَالٍ يَضِيقُ وَقْتُهَا عَنْ التَّعَلُّمِ وَالِاجْتِهَادِ، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِالتَّقْلِيدِ، كَاَلَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ، فَيَضِيقُ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا.

[فَصْلٌ كَانَ الْمُجْتَهِدُ فِي اسْتِقْبَال الْقِبْلَة بِهِ رَمَدٌ أَوْ عَارِضٌ يَمْنَعُهُ رُؤْيَةَ الْأَدِلَّةِ]

(٦٢٥) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ بِهِ رَمَدٌ، أَوْ عَارِضٌ يَمْنَعُهُ رُؤْيَةَ الْأَدِلَّةِ، فَهُوَ كَالْأَعْمَى، فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الِاجْتِهَادِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَكَان لَا يَرَى فِيهِ الْأَدِلَّةَ، وَلَا يَجِدُ مُخْبِرًا إلَّا مُجْتَهِدًا آخَرَ فِي مَكَان يَرَى الْعَلَامَاتِ فِيهِ، فَلَهُ تَقْلِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَعْمَى.

[فَصْلٌ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِتَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ قَدْ أَخْطَأْت الْقِبْلَةَ]

(٦٢٦) فَصْلٌ: وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِتَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: قَدْ أَخْطَأْتَ الْقِبْلَةَ، وَإِنَّمَا الْقِبْلَةُ هَكَذَا. وَكَانَ يُخْبِرُ عَنْ يَقِينٍ، مِثْلُ مَنْ يَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُ الشَّمْسَ، أَوْ الْكَوَاكِبَ، وَتَيَقَّنْتُ أَنَّك مُخْطِئٌ. فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ، وَيَسْتَدِيرُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَخْبَرَهُ أَنَّهَا جِهَةُ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي قَلَّدَهُ الْأَعْمَى، لَزِمَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ، فَالْأَعْمَى أَوْلَى. وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادِهِ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ أَخْبَرَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ أَوْثَقَ مِنْ الْأَوَّلِ، مَضَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِدَلِيلٍ يَقِينًا، فَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَوْثَقَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقُلْنَا: لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ. فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ تَقْلِيدُهُ خَاصَّةً، رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ، كَالْبَصِيرِ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ.

[فَصْلٌ إذَا شَرَعَ مُجْتَهِدٌ فِي الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادِهِ فَعَمِيَ فِيهَا]

فَصْلٌ: وَلَوْ شَرَعَ مُجْتَهِدٌ فِي الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادِهِ، فَعَمِيَ فِيهَا، بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>