للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَفْتَقِرُ إلَى نِيَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَفْظُ كِنَايَةٍ مِنْهَا. فَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَنْوِ فَمَا فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوقِعَهُ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ تَنْوِ هِيَ، فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ، فَمَا أَوْقَعَتْهُ، فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي الطَّلَاقِ، فَلَمْ يُطَلِّقْ. وَإِنْ نَوَيَا جَمِيعًا، وَقَعَ مَا نَوَيَاهُ مِنْ الْعَدَدِ إنْ اتَّفَقَا فِيهِ، وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا أَقَلَّ مِنْ الْآخِرِ، وَقَعَ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَلَمْ يَقَعْ.

[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ قَبِلْت]

(٥٨٩٣) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك، أَوْ اخْتَارِي. فَقَالَتْ: قَبِلْت. لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَك بِيَدِك. تَوْكِيلٌ، فَقَوْلُهَا فِي جَوَابِهِ: قَبِلْت. يَنْصَرِفُ إلَى قَبُولِ الْوَكَالَةِ، فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك. فَقَالَ: قَبِلْت. وَقَوْلُهُ: اخْتَارِي. فِي مَعْنَاهُ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ: أَخَذْت أَمْرِي. نَصَّ عَلَيْهِمَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ، إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك. فَقَالَتْ: قَبِلْت. لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى تَبِينَ. وَقَالَ: إذَا قَالَتْ: أَخَذْت أَمْرِي. لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ: وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي. فَقَالَتْ: قَبِلْت نَفْسِي. أَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي. كَانَ أَبْيَنَ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت. وَلَمْ تَقُلْ: نَفْسِي. لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ نَوَتْ. وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: اخْتَارِي. وَلَمْ يَقُلْ: نَفْسَك. وَلَمْ يَنْوِهِ، لَمْ تَطْلُقْ، مَا لَمْ تَذْكُرْ نَفْسَهَا، مَا لَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِ الزَّوْجِ أَوْ جَوَابِهَا مَا يَصْرِفُ الْكَلَامَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّفْسِيرِ، فَإِذَا عَرِيَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت زَوْجِي. أَوْ اخْتَرْت الْبَقَاءَ عَلَى النِّكَاحِ. أَوْ رَدَدْت الْخِيَارَ، أَوْ رَدَدْت عَلَيْك سَفِهْتَك. بَطَلَ الْخِيَارُ. وَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت أَهْلِي. أَوْ أَبَوَيَّ. وَنَوَتْ، وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ هَذَا يَصْلُحُ كِنَايَةً مِنْ الزَّوْجِ، فِيمَا إذَا قَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِك. فَكَذَلِكَ مِنْهَا. وَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأَزْوَاجَ. فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحِلُّونَ إلَّا بِمُفَارِقَةِ هَذَا الزَّوْجِ، وَلِذَلِكَ كَانَ كِنَايَةً مِنْهُ فِي قَوْلِهِ: انْكِحِي مَنْ شِئْت.

(٥٨٩٤) فَصْلٌ: فَإِنْ كَرَّرَ، لَفْظَةَ الْخِيَارِ، فَقَالَ: اخْتَارِي، اخْتَارِي، اخْتَارِي. فَقَالَ: أَحْمَدُ إنْ كَانَ إنَّمَا يُرَدِّدُ عَلَيْهَا لِيُفْهِمَهَا، وَلَيْسَ نِيَّتُهُ ثَلَاثًا، فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ ثَلَاثًا، فَهِيَ ثَلَاثٌ، فَرَدَّ الْأَمْرَ إلَى نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَبِلَتْ، وَقَعَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ كَرَّرَ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، فَتَكَرَّرَ، كَمَا لَوْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ. وَلَنَا، أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ، فَإِذَا قَصَدَهُ قُبِلَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>