للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوهُ. وَقَدْ احْتَجَّ أَحْمَدُ بُقُولِ أَبِي ذَرٍّ: إنَّ لِي إبِلًا يَرْعَاهَا عَبْدٌ لِي، وَهُوَ عَتِيقٌ إلَى الْحَوْلِ. وَلِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ، فَلَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ. وَلَيْسَ هَذَا تَوْقِيتًا لِلنِّكَاحِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيتٌ لِلطَّلَاقِ. وَهَذَا لَا يَمْنَعُ، كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، وَالطَّلَاقُ يَجُوزُ فِيهِ التَّعْلِيقُ.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ]

فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرِ كَذَا، أَوْ سَنَةِ كَذَا. فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا. وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي أَوَّلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ. إيقَاعٌ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُهُ: إلَى شَهْرِ كَذَا. تَأْقِيت لَهُ غَايَةٌ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ، فَبَطَلَ التَّأْقِيتُ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ. وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُ أَبِي ذَرٍّ، وَلِأَنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيتًا لِإِيقَاعِهِ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: أَنَا خَارِجٌ إلَى سَنَةٍ. أَيْ بَعْدَ سَنَةٍ. وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ. وَقَدْ تَرَجَّحَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ جَعَلَ لِلطَّلَاقِ غَايَةً، وَلَا غَايَةَ لِآخِرِهِ، وَإِنَّمَا الْغَايَةُ لِأَوَّلِهِ. وَالثَّانِي، أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَمَلٌ بِالْيَقِينِ، وَمَا ذَكَرُوهُ أَخْذٌ بِالشَّكِّ.

فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّهَا طَالِقٌ فِي الْحَالِ إلَى سَنَةِ كَذَا. وَقَعَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ، وَلَفْظُهُ يَحْتَمِلُهُ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ الْيَوْمِ إلَى سَنَةٍ. طَلَقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، فَيَقْتَضِي أَنَّ طَلَاقَهَا مِنْ الْيَوْمِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّ عَقْدَ الصِّفَةِ مِنْ الْيَوْمِ، وَوُقُوعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ. لَمْ يَقَعْ إلَّا بَعْدَهَا. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت تَكْرِيرَ وُقُوعِ طَلَاقِهَا مِنْ حِينِ لَفَظْتُ بِهِ إلَى سَنَةٍ، طَلَقَتْ مِنْ سَاعَتِهَا ثَلَاثًا، إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ الْيَوْمِ إلَى سَنَةٍ. يُرِيدُ التَّوْكِيدَ، وَكَثْرَةَ الطَّلَاقِ، فَتِلْكَ طَالِقٌ مِنْ سَاعَتِهَا.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ أَوَّلِ الشَّهْرِ]

(٥٩١٥) فَصْلٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ أَوَّلِ الشَّهْرِ. طَلَقَتْ فِي آخِرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَوَّلُهُ، وَإِنْ قَالَ: فِي أَوَّلِ آخِرِهِ، طَلَقَتْ فِي أَوَّلِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ آخِرُهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْأُولَى: تَطْلُقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ. وَفِي الثَّانِيَةِ: تَطْلُقُ بِدُخُولِ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ نِصْفَانِ، أَوَّلٌ، وَآخِرٌ، فَآخِرُ أَوَّلِهِ يَلِي أُولَ آخِرِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ كَقَوْلِنَا، وَهُوَ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>