للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْطٌ عَجَزَ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الشُّرُوطِ. وَأَمَّا الْمُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ شَكٍّ، وَلَمْ يُؤْمَرْ إلَّا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، وَسَائِرُ الشُّرُوطِ، إذَا عَجَزَ عَنْهَا، سَقَطَتْ، كَذَا هَاهُنَا، وَأَمَّا إذَا ظَنَّ وُجُودَهَا فَأَخْطَأَ، فَلَيْسَتْ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، فَنَظِيرُهُ: إذَا اجْتَهَدَ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْحَضَرِ، فَأَخْطَأَ.

(٦٢٩) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَدِلَّةُ ظَاهِرَةً مَكْشُوفَةً فَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، أَوْ مَسْتُورَةً بِغَيْمٍ أَوْ شَيْءٍ يَسْتُرُهَا عَنْهُ، بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ اسْتَتَرَتْ عَنْهُمْ بِالْغَيْمِ، فَلَمْ يُعِيدُوا، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَعَجَزَ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَاسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الْإِعَادَةِ.

[فَصْلٌ إنْ بَانَ لَهُ يَقِين الْخَطَأ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ]

(٦٣٠) فَصْلٌ: وَإِنْ بَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، اسْتَدَارَ إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ، وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْهَا كَانَ صَحِيحًا، فَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَبِنْ لَهُ الْخَطَأُ. وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً، قَدْ أَدَّاهُمْ اجْتِهَادُهُمْ إلَى جِهَةٍ، فَقَدَّمُوا أَحَدَهُمْ، ثُمَّ بَانَ لَهُمْ الْخَطَأُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، اسْتَدَارُوا إلَى الْجِهَةِ الَّتِي بَانَ لَهُمْ الصَّوَابُ فِيهَا، كَبَنِي سَلَمَةَ، لَمَّا بَانَ لَهُمْ تَحَوُّلُ الْكَعْبَةِ. وَإِنْ بَانَ لِلْإِمَامِ وَحْدَهُ، أَوْ لِلْمَأْمُومِينَ دُونَهُ، أَوْ لِبَعْضِهِمْ، اسْتَدَارَ مَنْ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ وَحْدَهُ، وَيَنْوِي بَعْضُهُمْ مُفَارَقَةَ بَعْضٍ، إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ خَالَفَهُ فِي الِاجْتِهَادِ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُقَلِّدٌ، تَبِعَ مَنْ قَلَّدَهُ وَانْحَرَفَ بِانْحِرَافِهِ. وَإِنْ قَلَّدَ الْجَمِيعَ، لَمْ يَنْحَرِفْ إلَّا بِانْحِرَافِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ بِدَلِيلٍ يَقِينِيٍّ، فَلَا يَنْحَرِفُ بِالشَّكِّ إلَّا مَنْ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ أَوْثَقِهِمْ، فَإِنَّهُ يَنْحَرِفُ بِانْحِرَافِهِ.

[مَسْأَلَة إذَا صَلَّى الْبَصِيرُ فِي حَضَرٍ أَوْ الْأَعْمَى فَأَخْطَأَ فِي اسْتِقْبَال الْقِبْلَة]

(٦٣١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا صَلَّى الْبَصِيرُ فِي حَضَرٍ، فَأَخْطَأَ، أَوْ الْأَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ، أَعَادَا) . أَمَّا الْبَصِيرُ إذَا صَلَّى إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، سَوَاءٌ إذَا صَلَّى بِدَلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، لِأَنَّ مَنْ فِيهِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَارِيبِ وَالْقِبَلِ الْمَنْصُوبَةِ، وَيَجِدُ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا، فَلَا يَكُونُ لَهُ الِاجْتِهَادُ، كَالْقَادِرِ عَلَى النَّصِّ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، فَإِنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَأَخْطَأَ، لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ؛ لِتَفْرِيطِهِ. وَإِنْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ، فَأَخْطَأَهُ، فَقَدْ غَرَّهُ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ خَبَرَهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ.

فَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا، لَا يَجِدُ مَنْ يُخْبِرُهُ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: هُوَ كَالْمُسَافِرِ، يَتَحَرَّى فِي مَحْبِسِهِ، وَيُصَلِّي، مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَبَرِ وَالْمَحَارِيبِ، فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ. وَأَمَّا الْأَعْمَى، فَإِنْ كَانَ فِي حَضَرٍ، فَهُوَ كَالْبَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَبَرِ وَالْمَحَارِيبِ، فَإِنَّ الْأَعْمَى إذَا لَمَسَ الْمِحْرَابَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ مِحْرَابٌ، وَأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ، فَهُوَ كَالْبَصِيرِ.

وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى الشَّمَالِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْجِهَاتِ، جَازَ لَهُ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَمَتَى أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَحُكْمُ الْمُقَلِّدِ حُكْمُ الْأَعْمَى فِي هَذَا. وَإِنْ كَانَ الْأَعْمَى، أَوْ الْمُقَلِّدُ مُسَافِرًا، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ، وَلَا مُجْتَهِدًا يُقَلِّدُهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ يُعِيدُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>