للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي حَنِيفَةَ، فَحَسَنٌ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لَهُ كَفِعْلِهَا لِمَا حَلَفَ عَلَيْهَا لِتَتْرُكَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ مَشَقَّةٌ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ مِيرَاثُهَا بِتَرْكِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهَا لِتَرْكِ مَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ فِعْلِهِ، فَفَعَلَتْهُ.

(٥٩٤٧) فَصْلٌ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ وَقْتًا بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ، فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي أَيْضًا؛ فَإِنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِدُونِ تَقْيِيدِهِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّاعَةِ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: ٣] . وَقَالَ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} [التغابن: ٧] . وَلَمَّا قَالَ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧] كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي؛ فَإِنَّ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي نَوْبَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَتَأَخَّرَ الْفَتْحُ إلَى سَنَةِ ثَمَانٍ.

وَلِذَلِكَ رُوِيَ «عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قُلْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْ لَيْسَ كُنْت تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ بَلَى، فَأَخْبَرْتُك أَنَّك آتِيهِ الْعَامَ؟ . قُلْت: لَا. قَالَ: فَإِنَّك آتِيهِ، وَمُطَوِّفٌ بِهِ» . وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ.

[فَصْلٌ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا]

(٥٩٤٨) فَصْلٌ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ. وَلَمْ يُطَلِّقْهَا، طَلَقَتْ إذَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ مَا لَا يَتَّسِعُ لِتَطْلِيقِهَا فِيهِ، عَلَى مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَقَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَى الْقَاضِي فِيهَا وَجْهَيْنِ؛ هَذَا، وَوَجْهًا آخَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، لِأَنَّ مَحِلَّ الطَّلَاقِ الْيَوْمُ، وَلَا يُوجَدُ شَرْطُ طَلَاقِهَا إلَّا بِخُرُوجِهِ، فَلَا يَبْقَى مِنْ مَحِلِّ طَلَاقِهَا مَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ.

وَلَنَا، أَنَّ خُرُوجَ الْيَوْمِ يَفُوتُ بِهِ طَلَاقُهَا، فَوَجَبَ وُقُوعُهُ قَبْلَهُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ كَمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْيَوْمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ؛ إنْ فَاتَنِي طَلَاقُك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ. فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ مَا لَا يَتَّسِعُ لِتَطْلِيقِهَا، فَقَدْ فَاتَهُ طَلَاقُهَا فِيهِ، فَوَقَعَ حِينَئِذٍ، كَمَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي آخِرِ حَيَاةِ أَوَّلِهِمَا مَوْتًا. وَمَا ذَكَرُوهُ بَاطِلٌ بِمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْيَوْمِ؛ فَإِنَّ مَحِلَّ طَلَاقِهَا يَفُوتُ بِمَوْتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ، كَذَا هَاهُنَا. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك الْيَوْمَ، أَوْ إنْ لَمْ اشْتَرِ لَك الْيَوْمَ ثَوْبًا. فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا، إذَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمَ مَا لَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِيهِ. وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ طَلَقَتْ، بِغَيْرِ خِلَافٍ.

وَفِي مَحِلِّ وُقُوعِهِ وَجْهَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>