للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا لَبِسْتِ. أَوْ: إنْ أَكَلْتِ مَتَى لَبِسْتِ. أَوْ: إنْ أَكَلْتِ إنْ لَبِسْتِ. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَلْبَسَ ثُمَّ تَأْكُلَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ اقْتَضَى تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْأَكْلِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَيُسَمِّيهِ النَّحْوِيُّونَ اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ، فَيَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ وَتَأْخِيرَ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّانِيَ فِي اللَّفْظِ شَرْطًا لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: ٣٤] . فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ أَعْطَيْتُك، إنْ وَعَدْتُك، إنْ سَأَلْتنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَسْأَلَهُ، ثُمَّ يَعِدَهَا ثُمَّ يُعْطِيَهَا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ، وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ سَأَلْتنِي، فَوَعَدْتُك، فَأَعْطَيْتُك، فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ الْقَاضِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا كَقَوْلِنَا، وَفِيمَا إذَا كَانَ بِإِنْ مِثْلَ قَوْلِهِ: إنْ شَرِبْت إنْ أَكَلْت. أَنَّهَا تَطْلُقُ بِوُجُودِهِمَا كَيْفَمَا وُجِدَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْرِفُونَ مَا يَقُولهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي هَذَا، فَتَعَلَّقْت الْيَمِينُ بِمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعُرْف، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ فِي هَذَا عُرْفٌ؛ فَإِنْ هَذَا الْكَلَامَ غَيْرُ مُتَدَاوَلٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَنْطِقُونَ بِهِ إلَّا نَادِرًا، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّأْنِ، كَسَائِرِ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ.

(٥٩٥٤) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ قُمْت. بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ " أَنْ " الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ لِلشَّرْطِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّعْلِيلِ، فَمَعْنَاهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّك قُمْت، أَوْ لِقِيَامِك. كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: ١٧] . {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: ٩٠] {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: ٩١] . {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} [الممتحنة: ١] . وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إنْ كَانَ نَحْوِيًّا وَقَعَ طَلَاقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَحْوِيًّا فَهِيَ لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إلَّا الشَّرْطَ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّعْلِيلُ، فَلَا يُرِيدُهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ مَا لَا يَعْرِفُهُ، وَلَا يُرِيدُهُ، كَمَا لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ بِلِسَانٍ لَا يَعْرِفُهُ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي النَّحْوِيِّ أَيْضًا: لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا، يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي الْحَالِ. وَالثَّانِي، يَكُونُ شَرْطًا فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ، وَتَعْلِيلًا فِي حَقِّ النَّحْوِيِّ. وَالثَّالِثُ، يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْرَابِ، فَيَقُولُ: أَرَدْت

<<  <  ج: ص:  >  >>