للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ. وَإِنْ قَالَ: لَا تَأْخُذْ حَقَّك عَلَيَّ. حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ حَقَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ.

وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الصُّورَتَيْنِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُهُ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَهُ عَلَى الْأَسْبَابِ، لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا، فَأَخَذَهُ مِنْهُ، كَانَ آخِذًا لِحَقِّهِ مِنْهُ عُرْفًا، وَيُسَمَّى آخِذًا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: ١٥٤] . وَقَالَ: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: ١٢] . وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَحَلَفَ: لَا أَخَذْت حَقِّي مِنْك. فَالتَّفْرِيعُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. فَإِنْ تَرَكَهَا الْغَرِيمُ فِي أَثْنَاءِ مَتَاعٍ فِي خُرْجٍ، ثُمَّ دَفَعَ الْخُرْجَ إلَى الْحَالِفِ، فَأَخَذَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا فِيهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْدُودٍ أَخْذًا، وَلَا يَبْرَأُ بِهِ الْغَرِيمُ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ: لَا أُعْطِيتُك حَقَّك، فَأَخَذَهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ كُرْهًا، فَدَفَعَهُ إلَى الْغَرِيم، لَمْ يَحْنَثْ.

وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ، فَدَفَعَهُ، خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُكْرَهِ. وَإِنْ أَعْطَاهُ بِاخْتِيَارِهِ، حَنِثَ. وَإِنْ وَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، أَوْ جَيْبِهِ، أَوْ صُنْدُوقِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ. وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ اخْتِيَارًا، لِيَدْفَعَهُ إلَى الْغَرِيمِ، فَدَفَعَهُ، أَوْ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَدَفَعَهُ إلَى الْغَرِيمِ، حَنِثَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَهُ إلَيْهِ مُخْتَارًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى وَكِيله، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَلِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْأَسْبَابِ، لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى.

[فَصْلٌ قَالَ إنْ رَأَيْت أَبَاكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْهُ مَيِّتًا أَوْ نَائِمًا]

(٦٠٠٣) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: إنْ رَأَيْت أَبَاكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَرَأَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ نَائِمًا، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ رَأَتْهُ مِنْ خَلْفِ زُجَاجٍ، أَوْ جِسْمٍ شَفَّافٍ، طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهَا رَأَتْهُ، وَإِنْ رَأَتْ خَيَالَهُ فِي مَاءٍ، أَوْ مِرْآةٍ، أَوْ صُورَتَهُ عَلَى حَائِطٍ، أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرَهُ، وَإِنْ أُكْرِهَتْ عَلَى رُؤْيَتِهِ، خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ]

(٦٠٠٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ. لَزِمَهُ تَطْلِيقَتَانِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ إفْهَامَهَا أَنْ قَدْ وَقَعَتْ بِهَا الْأُولَى، فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، بَانَتْ بِالْأُولَى، وَلَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ. مَرَّتَيْنِ. وَنَوَى بِالثَّانِيَةِ إيقَاعَ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ، وَقَعَتْ بِهَا طَلْقَتَانِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ نَوَى بِهَا إفْهَامَهَا أَنَّ الْأُولَى قَدْ وَقَعَتْ بِهَا، أَوْ التَّأْكِيدَ، لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَعَ طَلْقَتَانِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>