للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاكٌّ فِي التَّحْلِيلِ ". وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَحْتَجِبُ عَنْهُ.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: تَتَشَرَّفُ لَهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، وَيَخْلُوَ بِهَا، وَيَطَأَهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ، فَأُبِيحَتْ لَهُ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ. وَوَجْهُ الْأُولَى، أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاقِعَةٌ، فَأَثْبَتَتْ التَّحْرِيمَ، كَاَلَّتِي بِعِوَضِ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ مَهْرٌ، سَوَاءٌ رَاجَعَ أَوْ لَمْ يُرَاجِعْ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَتَهُ الَّتِي يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ، كَسَائِرِ الزَّوْجَاتِ.

وَيُفَارِقُ مَا لَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فِي الْعِدَّةِ؛ حَيْثُ يَجِبُ الْمَهْرُ إذَا لَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْلِمْ، تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ إسْلَامِ الْمُسْلِمِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ تَبِينُ بِهِ مِنْ نِكَاحِهِ، فَأَشْبَهَتْ الَّتِي أَرْضَعَتْ مَنْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِرَضَاعِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا تَبِينُ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَافْتَرَقَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ عِنْدَ مَنْ حَرَّمَهَا. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَّمَهُ الطَّلَاقُ، فَوَجَبَ بِهِ الْمَهْرُ، كَوَطْءِ الْبَائِنِ. وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ الْبَائِنَ لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ وَهَذِهِ زَوْجَتُهُ، وَقِيَاسُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْوَطْءِ وَأَحْكَامِهِ بَعِيدٌ.

[مَسْأَلَة لِلْعَبْدِ فِي الطَّلَاق بَعْدَ الْوَاحِدَةِ مَا لِلْحُرِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ]

(٦٠٧٩) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلِلْعَبْدِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ، مَا لِلْحُرِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ رَجْعَةَ امْرَأَتِهِ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً، فَلَا رَجْعَةَ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، وَفِي هَذَا خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى.

[مَسْأَلَةٌ كَانَتْ حَامِلًا بِاثْنَيْنِ فَوَضَعَتْ أَحَدَهُمَا]

(٦٠٨٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِاثْنَيْنِ، فَوَضَعَتْ أَحَدَهُمَا، فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا، مَا لَمْ تَضَعْ الثَّانِيَ) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْأَوَّلِ. وَمَا عَلَيْهِ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كُلِّهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَاسْمُ الْحَمْلِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَا فِي الْبَطْنِ، فَتَبْقَى الْعِدَّةُ مُسْتَمِرَّةً إلَى حِينِ وَضْعِ بَاقِي الْحَمْلِ، فَتَبْقَى الرَّجْعَةُ بِبَقَائِهَا.

وَلَوْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ بَعْضِ الْحَمْلِ، لَحَلَّ لَهَا التَّزْوِيجُ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَأَظُنُّ أَنَّ قَتَادَةَ نَاظَرَ عِكْرِمَةَ فِي هَذَا فَقَالَ عِكْرِمَةُ: تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ. فَقَالَ لَهُ قَتَادَةُ: أَيَحِلُّ لَهَا بِأَنْ تَتَزَوَّجَ؟ . قَالَ: لَا قَالَ: خُصِمَ الْعَبْدُ. وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ، فَارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ بَاقِيَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَ حَمْلِهَا، فَصَارَتْ كَمَنْ وَلَدَتْ أَحَدَ الْوَلَدَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>