للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخِلَافُ فِي هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ، وَفِي الْقُرُوءِ مَا هِيَ، وَقَدْ سَبَقَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ قَبُولُ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ بَيِّنَتَهَا عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي شَهْرٍ. وَلَوْلَا تَصَوُّرُهُ لَمَا قُبِلَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا سُمِعَتْ فِيهِ دَعْوًى، وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ. فَأَمَّا إنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا، وَلَا يُصْغَى إلَى بَيِّنَتِهَا؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ كَذِبَهَا. فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا حَتَّى أَتَى عَلَيْهَا مَا يُمْكِنُ صِدْقُهَا فِيهِ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا الْمَرْدُودَةِ، لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي مُحَالًا، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كُلِّهَا، أَوْ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْهَا، قُبِلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ صِدْقُهَا. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَاسِقَةِ وَالْمَرْضِيَّةِ، وَالْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ؛ لِأَنَّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ، كَإِخْبَارِهِ عَنْ بَيِّنَةٍ فِيمَا تُعْتَبَرُ فِيهِ بَيِّنَةٌ.

الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ تَدَّعِيَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَلَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ تَدَّعِيَ وَضْعَ الْوَلَدِ لِتَمَامٍ، أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ قَبْلَ كَمَالِهِ، فَإِنْ ادَّعَتْ وَضْعَهُ لِتَمَامٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ إمْكَانِ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْمُلُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ إمْكَانِ الْوَطْءِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ سَقْطٍ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مَا أَتَى عَلَيْهِ ثَمَانُونَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ يَكُونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ الثَّمَانِينَ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُضْغَةً بِحَالٍ. وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ، أَنْ تَدَّعِيَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيهِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا؛ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَتَهَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: طَلَّقْتُكِ فِي شَوَّالٍ. فَتَقُولَ هِيَ: بَلْ فِي ذِي الْحِجَّةِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُهَا، فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَلَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ، قُبِلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تُقِرُّ عَلَى نَفْسِهَا بِمَا هُوَ أَغْلَظُ. وَلَوْ انْعَكَسَتْ الدَّعْوَى، فَقَالَ: طَلَّقْتُك فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَلِي رَجْعَتُك. فَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقْتَنِي فِي شَوَّالٍ، فَلَا رَجْعَةَ لَك.

فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ نِكَاحِهِ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، فِي إثْبَاتِ الطَّلَاقِ وَنَفْيِهِ فَكَذَلِكَ فِي وَقْتِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهَا. فَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ: عَلَيْهَا الْيَمِينُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>