للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ، بِدَلِيلِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ حُصَاصٌ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، اُذْكُرْ كَذَا، حَتَّى يَظَلَّ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ، فِي " الْمُوَطَّأِ ". وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّك لَمْ تَقْرَأْ. فَقَالَ: إنِّي جَهَّزْتُ جَيْشًا لِلْمُسْلِمِينَ، حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ وَادِيَ الْقُرَى

[فَصْلٌ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ هَلْ نَوَى أَوْ لَا أَوْ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ]

(٦٥٣) فَصْلٌ: فَإِنْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، هَلْ نَوَى أَوْ لَا؟ أَوْ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، اسْتَأْنَفَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا شَكَّ فِيهِ؛ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ نَوَى أَوْ كَبَّرَ قَبْلَ قَطْعِهَا، أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ، فَلَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مُبْطِلٌ لَهَا. وَإِنْ عَمِلَ فِيهَا عَمَلًا مَعَ الشَّكِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ.

وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ عَرِيَ عَنْ النِّيَّةِ وَحُكْمِهَا، فَإِنَّ اسْتِصْحَابَ حُكْمِهَا مَعَ الشَّكِّ لَا يُوجَدُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَبْطُلُ، وَيَبْنِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُزِيلُ حُكْمَ النِّيَّةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ لَمْ يُحْدِثْ عَمَلًا، فَإِنَّهُ يَبْنِي، وَلَوْ زَالَ حُكْمُ النِّيَّةِ لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ، كَمَا لَوْ نَوَى قَطْعَهَا. وَإِنْ شَكَّ هَلْ نَوَى فَرْضًا أَوْ نَفْلًا؟ أَتَمَّهَا نَفْلًا، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ عَمَلًا. وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ إحْدَاثِ عَمَلٍ، خُرِّجَ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.

فَإِنْ شَكَّ، هَلْ أَحْرَمَ بِظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ؟ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ شَكَّ؛ فِي النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ، وَقَدْ زَالَ بِالشَّكِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُتِمَّهَا نَفْلًا، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ، فَبَانَ أَنَّهُ قَبْلَ وَقْتِهِ.

[فَصْلٌ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةِ ثُمَّ نَوَى نَقْلَهَا إلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى]

(٦٥٤) فَصْلٌ: وَإِذَا أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ، ثُمَّ نَوَى نَقْلَهَا إلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى، بَطَلَتْ الْأُولَى، لِأَنَّهُ قَطَعَ نِيَّتَهَا، وَلَمْ تَصِحَّ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا مِنْ أَوَّلِهَا. فَإِنْ نَقَلَهَا إلَى نَفْلٍ لِغَيْرِ غَرَضٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَالَ فِي " الْجَامِعِ ": يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُكْرَهُ، وَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَدْخُلُ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ، وَصِحَّةُ نَقْلِهَا إذَا كَانَ لِغَرَضٍ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْوَجْهَيْنِ. فَأَمَّا إنْ نَقَلَهَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، مِثْلُ مَنْ أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِدًا، فَحَضَرَتْ جَمَاعَةٌ، فَجَعَلَهَا نَفْلًا لِيُصَلِّيَ فَرْضَهُ فِي جَمَاعَةٍ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ رِوَايَتَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>