للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي، لَا يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَا وَفَّاهَا حَقَّهَا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ بِحُكْمِ الْيَمِينِ، فَكَانَ مُولِيًا، كَمَا لَوْ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا وَطِئَ وَهُوَ نَائِمٌ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَث بِهِ.

[فَصْلٌ وَطِئَهَا وَطْئًا مُحَرَّمًا]

(٦١٣٣) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَهَا وَطْئًا مُحَرَّمًا، مِثْلُ أَنْ وَطِئَهَا حَائِضًا، أَوْ نُفَسَاءَ، أَوْ مُحْرِمَةً، أَوْ صَائِمَةً صَوْمَ فَرْضٍ، أَوْ كَانَ مُحْرِمًا، أَوْ صَائِمًا، أَوْ مُظَاهِرًا، حَنِثَ، وَخَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُؤْمَرُ بِهِ فِي الْفَيْئَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْإِيلَاءِ، كَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ. وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ، وَلَمْ يَبْقَ مُمْتَنِعًا مِنْ الْوَطْءِ بِحُكْمِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَبْقَ الْإِيلَاءُ، كَمَا لَوْ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا مَرِيضَةً. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ، فِي مِنْ حَلَفَ، ثُمَّ كَفَّرَ يَمِينَهُ؛ أَنَّهُ لَا يَبْقَى مُولِيًا، لِعَدَمِ حُكْمِ الْيَمِينِ مَعَ أَنَّهُ مَا وَفَّاهَا حَقَّهَا، فَلَأَنْ يَزُولَ بِزَوَالِ الْيَمِينِ بِحِنْثِهِ فِيهَا أَوْلَى.

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُحْرِمِ وَالْمُظَاهِرِ، أَنَّهُمَا إذَا وَطِئَا فَقَدْ وَفَّيَاهَا حَقَّهَا. وَفَارَقَ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ، وَلَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَطْءِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

[فَصْلٌ آلَى مِنْهَا وَثَمَّ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ]

(٦١٣٤) فَصْلٌ: وَإِذَا آلَى مِنْهَا، وَثَمَّ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، كَمَرَضِهِ، أَوْ حَبْسِهِ، أَوْ إحْرَامِهِ، أَوْ صِيَامِهِ، حُسِبَتْ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ إيلَائِهِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ التَّمْكِينُ الَّذِي عَلَيْهَا. وَلِذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَكَانَ مُمْتَنِعًا لِعُذْرٍ، وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ. وَإِنْ طَرَأَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ بَعْدَ الْإِيلَاءِ، أَوْ جُنَّ، لَمْ تَنْقَطِعْ الْمُدَّةُ؛ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ حَيْضًا، لَمْ يَمْنَعْ ضَرْبُ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ لَمْ يُمْكِنْ ضَرْبُ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ فِي الْغَالِبِ لَا يَخْلُو مِنْهُ شَهْرٌ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إسْقَاطِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ طَرَأَ الْحَيْضُ، لَمْ يَقْطَعْ الْمُدَّةَ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَفِي النِّفَاسِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، هُوَ كَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ أَحْكَامُ الْحَيْضِ. وَالثَّانِي، هُوَ كَسَائِرِ الْأَعْذَارِ الَّتِي مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَعْذَارِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْأَعْذَارِ الَّتِي مِنْ جِهَتِهَا؛ كَصِغَرِهَا وَمَرَضِهَا، وَحَبْسِهَا، وَإِحْرَامِهَا، وَصِيَامِهَا وَاعْتِكَافِهَا الْمَفْرُوضَيْنِ، وَنُشُوزِهَا، وَغَيْبَتِهَا، فَمَتَى وُجِدَ مِنْهَا شَيْءٌ حَالَ الْإِيلَاءِ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ الْمُدَّةُ حَتَّى يَزُولَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ تُضْرَبُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْئِهَا، وَالْمَنْعُ هَاهُنَا مِنْ قِبَلِهَا. وَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَبْنِ عَلَى مَا مَضَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] يَقْتَضِي مُتَوَالِيَةً. فَإِذَا قَطَعَتْهَا، وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا، كَمُدَّةِ الشَّهْرَيْنِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>