للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّهَا أَيْمَانٌ مُتَكَرِّرَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ كَفَّرَ ثُمَّ ظَاهَرَ، وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ لَا يَحْنَثُ فِي إحْدَاهَا بِالْحِنْثِ فِي الْأُخْرَى، فَلَا تُكَفِّرُهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، كَالْأَصْلِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ مَعْنًى يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ فِي الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ، كَالْقَتْلِ، وَيُفَارِقُ الْحَدَّ، فَإِنَّهُ عُقُوبَةٌ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. فَأَمَّا إنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ مِرَارًا وَلَمْ يُكَفِّرْ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ وَاحِدٌ، فَوَجَبَتْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ وَاحِدَةً.

[فَصْل ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا]

(٦١٩٤) فَصْلٌ: إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ، ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُك مَعَهَا، أَوْ أَنْتِ شَرِيكَتُهَا، أَوْ كَهِيَ. وَنَوَى الْمُظَاهَرَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهَا. بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَإِنْ أَطْلَقَ صَارَ مُظَاهِرًا أَيْضًا، إذَا كَانَ عَقِيبَ مُظَاهَرَتِهِ مِنْ الْأُولَى، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ مُظَاهِرًا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الظِّهَارِ، وَلَا نَوَى بِهِ الظِّهَارَ فَلَمْ يَكُنْ ظِهَارًا، كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُظَاهِرَ مِنْ الْأُولَى، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا شَرِيكَتُهَا فِي دِينِهَا، أَوْ فِي الْخُصُومَةِ، أَوْ فِي النِّكَاحِ، أَوْ سُوءِ الْخُلُقِ، فَلَمْ تُخَصَّصْ بِالظِّهَارِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ.

وَلَنَا، أَنَّ الشَّرِكَةَ وَالتَّشْبِيهَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ، فَوَجَبَ تَعْلِيقُهُ بِالْمَذْكُورِ مَعَهُ، كَجَوَابِ السُّؤَالِ فِيمَا إذَا قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: قَدْ طَلَّقْتُهَا. وَكَالْعَطْفِ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالصِّفَةِ مَعَ الْمَوْصُوفِ وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ كِنَايَةٌ لَمْ يَنْوِ بِهَا الظِّهَارَ. قُلْنَا: قَدْ وُجِدَ دَلِيلُ النِّيَّةِ، فَيُكْتَفَى بِهَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَحْتَمِلُ. قُلْنَا: مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرِينَةِ يُزِيلُ الِاحْتِمَالَ. وَإِنْ بَقِيَ احْتِمَالٌ مَا، كَانَ مَرْجُوحًا، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، كَالِاحْتِمَالِ فِي اللَّفْظِ الصَّرِيحِ.

[مَسْأَلَة كَفَّارَة الظِّهَار]

[مَسْأَلَةُ كَفَّارَةَ الْمُظَاهِرِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِعْتَاقِ]

(٦١٩٥) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَالِمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (٦١٩٦) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ كَفَّارَةَ الْمُظَاهِرِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِعْتَاقِ، عِتْقُ رَقَبَةٍ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ. بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] إلَى قَوْلُهُ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٤] . «وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، حِينَ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ: يَعْتِقُ رَقَبَةً. قُلْتُ: لَا يَجِدُ. قَالَ: فَيَصُومُ» . وَقَوْلُهُ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ مِثْلَ ذَلِكَ. فَمَنْ وَجَدَ رَقَبَةً يَسْتَغْنِي عَنْهَا، أَوْ وَجَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>