للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِطْرِ، وَصَحَّ صَوْمُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ، وَصَوْمُ ذِي الْقَعْدَةِ، وَيُحْتَسَبُ لَهُ بِذِي الْقَعْدَةِ، نَاقِصًا كَانَ أَوْ تَامًّا؛ لِأَنَّهُ بَدَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ. وَأَمَّا شَوَّالٌ، فَإِنْ كَانَ تَامًّا صَامَ يَوْمًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، مَكَانَ يَوْمِ الْفِطْر، وَأَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا، صَامَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدَأْهُ مِنْ أَوَّلِهِ. وَإِنْ بَدَأَ بِالصِّيَامِ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقُلْنَا: يَصِحُّ صَوْمُهَا عَنْ الْفَرْضِ.

فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ لَهُ بِالْمُحَرَّمِ، وَيُكْمِلُ صَوْمِ ذِي الْحِجَّةِ بِتَمَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ صَفَرٍ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا عَنْ الْفَرْضِ. صَامَ مَكَانَهَا مِنْ صَفَرٍ. (٦٢١٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ، وَمِنْ أَثْنَائِهِ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَلِثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَأَيُّهُمَا صَامَ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ، فَصَامَ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، تَامَّيْنِ كَانَا أَوْ نَاقِصَيْنِ، إجْمَاعًا. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَمَالِكٌ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: ٤] . وَهَذَانِ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ.

وَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ، فَصَامَ سِتِّينَ يَوْمًا. أَجْزَأَهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَأَمَّا إنْ صَامَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ، وَشَهْرًا بِالْعَدَدِ، فَصَامَ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا مِنْ الْمُحَرَّمِ، وَصَفَرَ جَمِيعَهُ، وَخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا مِنْ رَبِيعٍ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، سَوَاءٌ كَانَ صَفَرٌ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ، لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي بَدَأَ مِنْ وَسَطِهِ لِتَعَذُّرِهِ، فَفِي الشَّهْرِ الَّذِي أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالُ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا شَهْرَانِ بِالْعَدَدِ؛ لِأَنَّنَا لَمَّا ضَمَمْنَا إلَى الْخَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ الْمُحَرَّمِ خَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ صَفَرٍ، فَصَارَ ذَلِكَ شَهْرًا صَارَ ابْتِدَاءُ صَوْمِ الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ أَيْضًا. وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ.

[فَصْلٌ نَوَى صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَار]

فَصْلٌ: فَإِنْ نَوَى صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَنْ الْكَفَّارَةِ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَانْقَطَعَ التَّتَابُعُ، حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ صَوْمَ الْكَفَّارَةِ فِطْرٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ: يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَجْزَأَهُ عَنْ رَمَضَانَ دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ لِرَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ فِي سَفَرٍ، أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ دُونَ رَمَضَانَ. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يُجْزِئُ عَنْ رَمَضَانَ دُونَ الْكَفَّارَةِ، سَفَرًا وَحَضَرًا. وَلَنَا، أَنَّ رَمَضَانَ مُتَعَيِّنٌ لِصَوْمِهِ، مُحَرَّمٌ صَوْمُهُ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ غَيْرِهِ، كَيَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» . وَهَذَا مَا نَوَى رَمَضَانَ، فَلَا يُجْزِئُهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ مُتَعَيَّنٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>