للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦٢٢٧) فَصْلٌ: وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا حَتَّى يَطَأَهَا وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ، فَإِنْ طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَطْئِهَا، أَوْ إكْرَاهِهَا عَلَى الْوَطْءِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ، فَلَا تَجِبُ كَفَّارَتُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ فِيهَا، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ. وَلَا يَجِبُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ، كَكَفَّارَاتِ سَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا لِذَلِكَ، وَعَلَيْهَا تَمْكِينُ زَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ عَلَيْهَا، فَلَا يَسْقُطُ بِيَمِينِهَا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْرِيمٌ لَحَلَالٍ، فَلَا يُثْبِتُ تَحْرِيمًا، كَمَا لَوْ حَرَّمَ طَعَامَهُ.

وَحُكِيَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا لَا تُمَكِّنُهُ قَبْلُ التَّكْفِيرِ، إلْحَاقًا بِالرَّجُلِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ الظِّهَارُ مِنْهُ صَحِيحٌ، وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّ الْحِلَّ حَقُّ الرَّجُلِ، فَمَلَكَ رَفْعَهُ، وَالْحِلُّ حَقٌّ عَلَيْهَا، فَلَا تَمْلِكُ إزَالَتَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ مِرَارًا]

(٦٢٢٨) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَإِذَا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ مِرَارًا، فَلَمْ يُكَفِّرْ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ، يَنْوِي بِذَلِكَ التَّأْكِيدَ، أَوْ الِاسْتِئْنَافَ، أَوْ أَطْلَقَ. نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً، فَإِنْ أَرَادَ تَأْكِيدَ الْيَمِينِ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فَكَفَّارَتَانِ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ، فَكَفَّارَاتٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَقَتَادَةَ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ، فَإِذَا نَوَى الِاسْتِئْنَافَ تَعَلَّقَ بِكُلِّ مَرَّةٍ حُكْمُ حَالِهَا، كَالطَّلَاقِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُؤَثِّرْ تَحْرِيمًا فِي الزَّوْجَةِ، فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ تَحْرِيمًا، فَإِنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَزِدْ تَحْرِيمُهَا، وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةٌ، فَإِذَا كَرَّرَهُ كَفَاهُ وَاحِدَةٌ، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الطَّلَاقُ، فَمَا زَادَ عَنْ ثَلَاثٍ، لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِهَذَا يَنْتَقِضُ مَا ذَكَرُوهُ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ، فَإِنَّهَا تُثْبِتُ تَحْرِيمًا زَائِدًا، وَهُوَ التَّحْرِيمُ قَبْلَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، بِخِلَافِ الظِّهَارِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمٌ، فَنَظِيرُهُ مَا زَادَ عَلَى الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمٌ، فَكَذَلِكَ الظِّهَارُ الثَّانِي. فَأَمَّا إنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ظَاهَرَ، لَزِمَتْهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ، بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ الثَّانِيَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ حَرَّمَ الزَّوْجَةَ الْمُحَلَّلَةَ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ كَالْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>