للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا، أَنْ يُوجَدَ اللِّعَانُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْتَفِي بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ إنَّمَا كَانَ بِيَمِينِهِ وَالْتِعَانِهِ، لَا بِيَمِينِ الْمَرْأَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ، وَلَا مَعْنَى لِيَمِينِ الْمَرْأَةِ فِي نَفْيِ النَّسَبِ، وَهِيَ تُثْبِتُهُ وَتُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ يَنْفِيهِ، وَإِنَّمَا لِعَانُهَا لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٨] .

وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَفَى الْوَلَدَ عَنْهُ بَعْدَ تَلَاعُنِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ النَّفْيُ بِبَعْضِهِ، كَبَعْضِ لِعَانِ الزَّوْجِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكْمُلَ أَلْفَاظُ اللِّعَانِ مِنْهُمَا جَمِيعًا. الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ يَبْدَأَ بِلِعَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ بَدَأَ بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ فَعَلَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَالْفُرْقَةُ جَائِزَةٌ، وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ لِعَانِهَا عَلَى لِعَانِهِ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَتَّبَتْ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لَا يَتِمُّ اللِّعَانُ إلَّا بِالتَّرْتِيبِ، إلَّا أَنَّهُ يَكْفِي عِنْدَهُ لِعَانُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مَعَ إخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ، وَعَدَمِ كَمَالِ أَلْفَاظِ اللِّعَانِ مِنْ الْمَرْأَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ أَتَى بِاللِّعَانِ عَلَى غَيْرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ لِعَانَ الرَّجُلِ بَيِّنَتُهُ لِإِثْبَاتِ زِنَاهَا وَنَفْيِ وَلَدِهَا، وَلِعَانَ الْمَرْأَةِ لِلْإِنْكَارِ، فَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِثْبَاتِ، كَتَقْدِيمِ الشُّهُودِ عَلَى الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ لِعَانِ الْمَرْأَةِ لِدَرْءِ الْعَذَابِ عَنْهَا، وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا ذَلِكَ إلَّا بِلِعَانِ الرَّجُلِ، فَإِذَا قَدَّمَتْ لِعَانَهَا عَلَى لِعَانِهِ، فَقَدْ قَدَّمَتْهُ عَلَى وَقْتِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَدَّمَتْهُ عَلَى الْقَذْفِ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ نَفْيَ الْوَلَدِ فِي اللِّعَانِ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ، لَمْ يَنْتَفِ، إلَّا أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ وَيَذْكُرَ نَفْيَهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ وَنَفْيِهِ، وَيَنْتَفِي بِزَوَالِ الْفِرَاشِ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، الَّذِي وَصَفَ فِيهِ اللِّعَانَ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْوَلَدَ، وَقَالَ فِيهِ: فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ «رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ» . وَلَنَا، أَنَّ مَنْ سَقَطَ حَقُّهُ بِاللِّعَانِ، كَانَ ذِكْرُهُ شَرْطًا، كَالْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي اللِّعَانِ أَنْ يُثْبِتَ زِنَاهَا، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْوَلَدِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ: وَكَانَتْ حَامِلًا، فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا. مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ. وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ «رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>