للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُضُورُهُمَا مَعًا، بَلْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ، مِثْلُ إنْ لَاعَنَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى بَابِهِ، لِعَدَمِ إمْكَانِ دُخُولِهَا، جَازَ.

[فَصْلٌ كَانَ الزَّوْجَانِ يَعْرِفَانِ الْعَرَبِيَّةَ فِي اللِّعَانِ]

(٦٢٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ يَعْرِفَانِ الْعَرَبِيَّةَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْتَعِنَا بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ. وَإِنْ كَانَا لَا يُحْسِنَانِ ذَلِكَ، جَازَ لَهُمَا الِالْتِعَانُ بِلِسَانِهِمَا؛ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ يُحْسِنُ لِسَانَهُمَا، أَجْزَأَ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ أَرْبَعَةٌ يُحْسِنُونَ لِسَانَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يُحْسِنُ لِسَانَهُمَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تُرْجُمَانٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُجْزِئُ فِي التَّرْجَمَةِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ عَنْ أَعْجَمِيٍّ حَاكَمَ إلَيْهِ، إذَا لَمْ يَعْرِفْ لِسَانَهُ؛ أَقَلُّ مِنْ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ لِسَانَهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يُجْزِئُ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[مَسْأَلَة كَانَ بَيْنَهُمْ فِي اللِّعَانِ وَلَدٌ]

(٦٢٩٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ فِي اللِّعَانِ وَلَدٌ، ذَكَرَ الْوَلَدَ، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، لَقَدْ زَنَتْ. يَقُولُ: وَمَا هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي. وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ، وَهَذَا الْوَلَدُ وَلَدُهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ مَتَى كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي لِعَانِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفِيهِ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ الزَّوْجُ إلَى ذِكْرِهِ لِنَفْيِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَحْتَاجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ذِكْرِهِ، وَيَنْتَفِي بِزَوَالِ الْفِرَاشِ.

وَلَنَا، أَنَّ مَنْ سَقَطَ حَقُّهُ بِاللِّعَانِ، اُشْتُرِطَ ذِكْرُهُ فِيهِ، كَالْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَكَانَ ذِكْرُ الْوَلَدِ شَرْطًا فِي لِعَانِهَا كَالزَّوْجِ، وَلِأَنَّهُمَا مُتَحَالِفَانِ عَلَى شَيْءٍ، فَاشْتُرِطَ ذِكْرُهُ فِي تَحَالُفِهِمَا كَالْمُخْتَلِفِينَ فِي الْيَمِينِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِ الزَّوْجِ: وَمَا هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي. وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهَا: وَهَذَا الْوَلَدُ وَلَدُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًا، وَلَيْسَ هُوَ مِنِّي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ هُوَ مِنِّي. يَعْنِي خَلْقًا وَخُلُقًا. وَلَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ زِنًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ زِنًا، فَأَكَّدْنَا بِذِكْرِهِمَا جَمِيعًا.

وَلَنَا أَنَّهُ نَفَى الْوَلَدَ فِي اللِّعَانِ فَاكْتُفِيَ بِهِ، كَمَا لَوْ ذَكَرَ اللَّفْظَيْنِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّأْكِيدِ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا يَنْتَفِي الِاحْتِمَالُ بِضَمِّ إحْدَى اللَّفْظَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ فَاسِدٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>