للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْضُ بِيَقِينٍ.

فَأَمَّا الْوَلَدُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَضِيعُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى نِسْبَتِهِ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَجْنُونًا، لَمْ يَنْتَسِبْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ، فَيَنْتَسِبَ إلَى أَحَدِهِمَا، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا، لَحِقَ بِهِمَا. وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَبَتَ مِنْهُمَا، كَمَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ مِنْ الْوَاحِدِ الَّذِي يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا. وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَ وَضْعِهِ بِثَلَاثِ قُرُوءٍ، وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُمَا بِقَوْلِ الْقَافَةِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَافَةِ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ صَاحِبَيْ الْفِرَاشِ، لَا فِي النَّفْيِ عَنْ الْفِرَاشِ كُلِّهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ وَاحِدًا فَنَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُ، لَمْ يَنْتِفَ عَنْهُ بِقَوْلِهَا.

فَأَمَّا إنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي، وَلِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ فِرَاقِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ آخَرَ، فَتَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ، ثُمَّ تُتِمُّ عِدَّةَ الْأَوَّلِ، وَتَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي عِدَّةً ثَالِثَةً، وَهُوَ الْوَطْءُ الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ، فَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ، وَإِتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى.

[فَصْلٌ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً وَهُمَا عَالَمَانِ بِالْعِدَّةِ]

(٦٣٤٥) فَصْلٌ: وَإِذَا تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً، وَهُمَا عَالِمَانِ بِالْعِدَّةِ، وَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِيهَا، وَوَطِئَهَا، فَهُمَا زَانِيَانِ، عَلَيْهِمَا حَدُّ الزِّنَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا، وَلَا يَلْحَقُهُ النَّسَبُ. وَإِنْ كَانَا جَاهِلِينَ بِالْعِدَّةِ، أَوْ بِالتَّحْرِيمِ، ثَبَتَ النَّسَبُ، وَانْتَفَى الْحَدُّ، وَوَجَبَ الْمَهْرُ. وَإِنْ عَلِمَ هُوَ دُونَهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَلَا نَسَبَ لَهُ. وَإِنْ عَلِمَتْ هِيَ دُونَهُ، فَعَلَيْهَا الْحَدُّ، وَلَا مَهْرَ لَهَا، وَالنَّسَبُ لَاحِقٌ بِهِ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى بُطْلَانِهِ، فَأَشْبَهَ نِكَاحَ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ.

[فَصْل خَالَعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهُ]

(٦٣٤٦) فَصْلٌ: وَإِذَا خَالَعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهُ، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا. فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَشَذَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، وَلَا خِطْبَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ. وَلَنَا، أَنَّ الْعِدَّةَ لِحِفْظِ نَسَبِهِ، وَصِيَانَةِ مَائِهِ، وَلَا يُصَانُ مَاؤُهُ عَنْ مَائِهِ إذَا كَانَا مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا، انْقَطَعْت الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصِيرُ فِرَاشًا لَهُ بِعَقْدِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ مُعْتَدَّةً.

فَإِنْ وَطِئَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا، لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا قَدْ انْقَطَعَتْ وَارْتَفَعَتْ. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَهَلْ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، أَوْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى؟ قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>