للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزَوَّجَتْ. وَقَدْ ارْتَبْت فِيهَا، وَهِبْت الْجَوَابَ فِيهَا، لَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا، فَكَأَنِّي أُحِبُّ السَّلَامَةَ. وَهَذَا تَوَقُّفٌ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ عَمَّا قَالَهُ، وَتَتَرَبَّصُ أَبَدًا، وَيَحْتَمِلُ التَّوَرُّعَ، وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا.

قَالَ الْقَاضِي: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الَّذِي أَقُولُ بِهِ - إنْ صَحَّ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ - أَنْ لَا يُحْكَمَ بِحُكْمٍ ثَانٍ إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى الِانْتِقَالِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ أَوَّلًا. نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ الْجَمَاعَةُ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى عَنْهُ الرُّجُوعَ، عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ أَوْ فِرَاقُهُ؛ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ، حَتَّى يَأْتِيَهَا الْخَبَرُ» .

. وَرَوَى الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ عَنْ عَلِيٍّ: لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ، حَتَّى يَأْتِيَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ. لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي زَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ، فَلَمْ تَثْبُتْ بِهِ الْفُرْقَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلَامَةَ. وَلَنَا، مَا رَوَى الْأَثْرَمُ. وَالْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: فُقِدَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ عُمَرَ، فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ إلَى عُمَرَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: انْطَلِقِي، فَتَرَبَّصِي أَرْبَعَ سِنِينَ. فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَتَتْهُ، فَقَالَ: انْطَلِقِي، فَاعْتَدِّي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَتَتْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ وَلِيُّ هَذَا الرَّجُلِ؟ فَجَاءَ وَلِيُّهُ، فَقَالَ: طَلِّقْهَا. فَفَعَلَ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: انْطَلِقِي، فَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْت. فَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ كُنْت؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَهْوَتْنِي الشَّيَاطِينُ، فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي فِي أَيِّ أَرْضِ اللَّهِ، كُنْت؟ عِنْدَ قَوْمٍ يَسْتَعْبِدُونَنِي، حَتَّى اغْتَزَاهُمْ مِنْهُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، فَكُنْت فِي مَا غَنِمُوهُ، فَقَالُوا لِي: أَنْتَ رَجُلٌ مِنْ الْإِنْسِ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ الْجِنِّ، فَمَا لَكَ وَمَا لَهُمْ؟ فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي، فَقَالُوا: بِأَيِّ أَرْضِ اللَّهِ تُحِبُّ أَنْ تُصْبِحَ؟ قُلْت: الْمَدِينَةُ هِيَ أَرْضِي. فَأَصْبَحْتُ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى الْحَرَّةِ. فَخَيَّرَهُ عُمَرُ؛ إنْ شَاءَ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ الصَّدَاقَ، فَاخْتَارَ الصَّدَاقَ، وَقَالَ: قَدْ حَبِلَتْ، لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا.

قَالَ أَحْمَدُ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ، مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ فِي الصَّحَابَةِ لَهُ مُخَالِفٌ. وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُ، بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ عَلِيٍّ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا، وَتَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْمَفْقُودُ بَعْدَ ذَلِكَ، خُيِّرَ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. وَقَضَى بِهِ عُثْمَانُ أَيْضًا، وَقَضَى بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَوْلَاةٍ لَهُمْ. وَهَذِهِ قَضَايَا انْتَشَرَتْ فِي الصَّحَابَةِ فَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ إجْمَاعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>