للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَثْبُتْ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَمَا رَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَيَرْوِيهِ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ مُرْسَلًا، وَالْمُسْنَدُ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا، ثُمَّ يُحْمَلُ مَا رَوَوْهُ عَلَى الْمَفْقُودِ الَّذِي ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلَامَةُ، جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَيْنَاهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ شَكٌّ فِي زَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ. مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الشَّكَّ مَا تَسَاوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ، وَالظَّاهِرُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَلَاكُهُ.

[فَصْلٌ هَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا الْغَائِبِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ]

(٦٣٥١) فَصْلٌ: وَهَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَعْتَدّ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَعْتَبِرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَحْسَنُهَا. وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا. وَالثَّانِيَةُ، لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ فَإِنَّ وَلِيَّ الرَّجُلِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، وَلِأَنَّنَا حَكَمْنَا عَلَيْهَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ عِدَّةُ الطَّلَاقِ، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَتْ وَفَاتَهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ دَلِيلُ هَلَاكِهِ عَلَى وَجْهٍ أَبَاحَ لَهَا التَّزْوِيجَ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ.

[فَصْلٌ مَتَى تُعْتَبَرُ غَيْبَةُ الزَّوْجِ]

(٦٣٥٢) فَصْلٌ: وَهَلْ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْغَيْبَةِ أَوْ مِنْ حِينِ ضَرَبَ الْحَاكِمُ الْمُدَّةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ ضَرَبَهَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَافْتَقَرَتْ إلَى ضَرْبِ الْحَاكِمِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ. وَالثَّانِيَةُ، مِنْ حِينِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، وَبَعُدَ أَثَرُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَوْتِهِ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ. وَلِلشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَالرِّوَايَتَيْنِ.

[فَصْل قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ]

(٦٣٥٣) فَصْلٌ: فَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إذَا ضُرِبَتْ لَهَا الْمُدَّةُ، فَانْقَضَتْ، بَطَلَ نِكَاحُ الْأَوَّلِ. وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا أَبَحْنَا لَهَا التَّزْوِيجَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ، فَإِذَا بَانَ حَيًّا، انْخَرَمَ ذَلِكَ الظَّاهِرُ، وَكَانَ النِّكَاحُ بِحَالِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَوْتِهِ ثُمَّ بَانَ حَيًّا، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ، فَأَشْبَهَ مِلْكَ الْمَالِ. فَأَمَّا إنْ قَدِمَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا، فَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ، تُرَدُّ إلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ بَعْدَ الدُّخُولِ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>