للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُخَيَّرُ. وَأَخَذَهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِ أَحْمَدَ: إذَا تَزَوَّجْت امْرَأَتُهُ فَجَاءَ، خُيِّرَ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُمُومَ كَلَامِ أَحْمَدَ يُحْمَلُ عَلَى خَاصِّهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَأَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَتَكُونُ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا صَحَّ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، فَإِذَا قَدِمَ تَبَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ امْرَأَةً ذَاتَ زَوْجٍ، فَكَانَ بَاطِلًا، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَاقٌ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ دُخُولٌ، وَتَعُودُ إلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ. وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا. خُيِّرَ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَخْذِهَا، فَتَكُونُ زَوْجَتُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَبَيْنَ أَخْذِ صَدَاقِهَا، وَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، فَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَا: إنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ، خُيِّرَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ هُوَ، رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ، وَالْأَثْرَمُ، وَقَضَى بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرُ فِي مَوْلَاةٍ. لَهُمْ وَقَالَ عَلِيٌّ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا. فَعَلَى هَذَا، إنْ أَمْسَكَهَا الْأَوَّلُ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الثَّانِي إلَى طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ بَاطِلًا فِي الْبَاطِنِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِهِ، أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، فَكَانَ مَأْمُورًا بِالطَّلَاقِ لِيَقْطَعَ حُكْمَ الْعَقْدِ الثَّانِي، كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ اعْتِزَالُهَا حَتَّى تَقْضِيَ عِدَّتَهَا مِنْ الثَّانِي. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَ الثَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهَا عَقْدًا جَدِيدًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهَا عَقْدًا، لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ عَقْدِهِ بِمَجِيءِ الْأَوَّلِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ زَوْجَةَ الْإِنْسَانِ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ لَهَا.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْقِيَاسُ أَنَّنَا إنْ حَكَمْنَا بِالْفُرْقَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَهِيَ امْرَأَةُ الثَّانِي، وَلَا خِيَارَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِفُرْقَةِ الْحَاكِمِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا لِعُسْرَتِهِ، وَإِنْ لَمْ نَحْكُمْ بِفُرْقَتِهِ بَاطِنًا، فَهِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ.

[فَصْلٌ زَوْجَة الْغَائِب إذَا اخْتَارَ الزَّوْج الْأَوَّلُ تَرْكَهَا]

(٦٣٥٤) فَصْلٌ: وَمَتَى اخْتَارَ الْأَوَّلُ تَرْكَهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي بِصَدَاقِهَا؛ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِعَقْدِهِ عَلَيْهَا، وَدُخُولِهِ بِهَا. وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَد فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ؛ فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ الَّذِي أَصْدَقَهَا هُوَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَقَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، لِقَضَاءِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ هُوَ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّضَ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ، كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ. فَعَلَى هَذَا، إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا الصَّدَاقَ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ بَعْضَهُ، رَجَعَ بِمَا دَفَعَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالصَّدَاقِ، وَتَرْجِعَ الْمَرْأَةُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقِهَا.

وَعَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>