للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَهَلْ يُبْتَدَأُ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، مِنْ حِينِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِهِ. وَالثَّانِي، مِنْ حِينِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَتِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ. وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدُهُ التَّاجِرُ أَمَةً، فَاسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ صَارَتْ إلَى السَّيِّدِ، حَلَّتْ لَهُ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ، فَقَدْ حَصَلَ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي مِلْكِهِ.

وَإِنْ اشْتَرَى مُكَاتِبُهُ أَمَةً، فَاسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ صَارَتْ إلَى سَيِّدِهِ، فَعَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَجَدَّدَ عَلَيْهَا، إذْ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ مِلْكٌ عَلَى مَا فِي يَدِ مُكَاتِبِهِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ مِنْ ذَوَات مَحَارِمِ الْمُكَاتِبِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: تُبَاحُ لِلسَّيِّدِ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْمُكَاتِبِ، إنْ رَقَّ رَقَّتْ، وَإِنْ عَتَقَ عَتَقَتْ، وَالْمُكَاتِبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَالِاسْتِبْرَاءُ الْوَاجِبُ هَاهُنَا فِي حَقِّ الْحَامِلِ بِوَضْعِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي ذَاتِ الْقُرُوءِ بِحَيْضَةٍ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ: بِحَيْضَتَيْنِ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَلِلْمَعْنَى؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَتِهَا مِنْ الْحَمْلِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِحَيْضَةٍ، وَفِي الْآيِسَةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ وَاَلَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ.

[فَصْلٌ مَلَكَ مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَأَسْلَمَتْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا]

(٦٣٨٠) فَصْلٌ: وَمَنْ مَلَكَ مَجُوسِيَّةً، أَوْ وَثَنِيَّةً، فَأَسْلَمَتْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، أَوْ تُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا؛ لِمَا مَضَى. وَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ، حَلَّتْ لَهُ بِغَيْرِ اسْتِبْرَائِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تُجَدِّدَ اسْتِبْرَاءَهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَجَدَّدَ عَلَى اسْتِمْتَاعِهَا، فَأَشْبَهَتْ مَنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ عَلَى رَقَبَتِهَا. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُوطَأُ حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» . وَهَذَا وَرَدَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، وَكُنَّ مُشْرِكَاتٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ فِي حَقِّهِنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ حَيْضَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ مِلْكُهُ عَلَيْهَا، وَلَا أَصَابَهَا وَطْءٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاؤُهَا، كَمَا لَوْ حَلَّتْ الْمُحَرَّمَةُ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا وَجَبَ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ، وَامْتِزَاجِ الْأَنْسَابِ، وَمَظِنَّةُ ذَلِكَ تَجَدُّدُ الْمِلْكِ عَلَى رَقَبَتِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ.

وَلَوْ بَاعَ أَمَتَهُ، ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ إقَالَةٍ بَعْدَ قَبْضِهَا أَوْ افْتِرَاقِهِمَا، لَزِمَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي لَهَا امْرَأَةً أَوْ غَيْرَهَا. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا، أَوْ قَبْلَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي بِالْجَارِيَةِ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ. وَالثَّانِيَةُ، لَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَقَابَلَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ مَعَ تَعَيُّنِ الْبَرَاءَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>