للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦٤٣٢)

الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا انْفَسَخَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا، وَالْفَسْخُ إذَا جَاءَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَانَ كَطَلَاقِ الزَّوْجِ فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ فَسْخَ نِكَاحِهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا، فَسَقَطَ صَدَاقُهَا، كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ، لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِدُخُولِهِ بِهَا اسْتِقْرَارًا لَا يُسْقِطُهُ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهَا وَلَا بِغَيْرِهَا. (٦٤٣٣) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ صَدَاقِ الصَّغِيرَةِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، أَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ صَدَاقِهَا؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ الْبُضْعَ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أَرَادَتْ الْفَسَادَ، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ، وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَلَنَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ، أَنَّهَا قَرَّرَتْهُ عَلَيْهِ، وَأَلْزَمَتْهُ إيَّاهُ، وَأَتْلَفَتْ عَلَيْهِ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهَا الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ. وَلَنَا، عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّ مَا ضَمِنَ فِي الْعَمْدِ ضَمِنَ فِي الْخَطَأِ، كَالْمَالِ، وَلِأَنَّهَا أَفْسَدَتْ نِكَاحَهُ، وَقَرَّرَتْ عَلَيْهِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، فَلَزِمَهَا ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ قَصَدَتْ الْإِفْسَادَ.

وَلَنَا، عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ، أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَغْرَمْ إلَّا النِّصْفَ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ أَكْثَرُ مِمَّا غَرِمَ، وَلِأَنَّهُ بِالْفَسْخِ يُرْجَعُ إلَيْهِ بَدَلُ النِّصْفِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ بَدَلُ مَا أَخَذَ بَدَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا ضَمِنَتْ الْمُرْضِعَةُ هَاهُنَا لَمَّا أَلْزَمَتْ الزَّوْجَ مَا كَانَ مُعَرَّضًا لِلسُّقُوطِ بِسَبَبٍ يُوجَدُ مِنْ الزَّوْجَةِ، فَلَمْ يَرْجِعْ هَاهُنَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَلْزَمَتْهُ. فَصْلٌ: وَالْوَاجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى، لَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ، وَاَلَّذِي غَرِمَ نِصْفُ مَا فَرَضَ لَهَا، فَرَجَعَ بِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مُتْلَفٍ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ، دُونَ مَا مَلَكَهُ بِهِ، كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ.

وَلَنَا، أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، أَوْ ارْتَدَّتْ، أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِإِرْضَاعِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الرُّجُوعُ هَاهُنَا بِمَا غَرِمَ، فَلَا يَرْجِعُ بِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ، لَرَجَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كُلِّهِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَخْتَصَّ بِالنِّصْفِ، وَلِأَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا لَزِمَهُمْ نِصْفُ الْمُسَمَّى، كَذَا هَاهُنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>